أوردت المادة الأولى المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الأول ما يلي: “تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم هذه الاتفاقية وتكفل احترامها في جميع الأحوال”.

ووفقًا لمبدأ أن العقد شريعة المتعاقدين PactaSunt Servanda فإن هذه المادة الأولى المشتركة تفرض التزامًا تعاقديًا على جميع الدول الأطراف بأن تحترم القانون الدولي الإنساني على أراضيها وأن تتخذ الإجراءات اللازمة في مواجهة أي طرف سامٍ متعاقد آخر لا يحترم هذا القانون. ولما كانت معظم دول العالم أطرافًا في اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949، وهناك تزايد مطرد في عدد الدول الأطراف في البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، وقد أكدت محكمة العدل الدولية بأن على جميع الدول الأطراف في نزاع مسلح أو على الدول الأطراف الأخرى غير المنخرطة في نزاع مسلح مسؤولية احترام وكفالة احترام أحكام القانون الدولي الإنساني، في قضية نيكاراجوا ضد الولايات المتحدة الأمريكية عام 1986.

ومن ثم فإن المادة الأولى المشتركة تفرض على الأطراف هذا الالتزام وتعطي لكل الدول الحق في أن تضمن احترام أي دولة أخرى للقانون الدولي الإنساني. والمادة الأولى المشتركة على هذا النحو تفرض على الأطراف السامية المتعاقدة التزامًا بالعمل، فالأعمال التحضيرية لاتفاقيات جنيف تبين أن المقصود من هذا الالتزام أن تضع الدول في الاعتبار أن هناك حاجة إلى أن يبذلوا كل ما في وسعهم من أجل كفالة التزام عالمي بالمبادئ الإنسانية الواردة في اتفاقيات جنيف والآليات التي يمكن للدول الأطراف السامية المتعاقدة أن تتخذها في إطار المادة الأولى المشتركة والتي اصطلح بعض الفقهاء على تسميتها بوسائل “الدبلوماسية الإنسانية” التي تهم أساسًا الدول الأطراف ومنظمة الأمم المتحدة للنهوض بهذه المسؤولية في كفالة احترام القانون الدولي الإنساني، أو ما يعني تداخل العمل الإنساني من هذا الجانب بالسياسة.

وفيما يتعلق بهذه الآلية لضمان احترام القانون الدولي الإنساني فإن أحكام المادة الأولى المشتركة أوردت عبارة “في جميع الأحوال”، أي بمعنى آخر كلما كان القانون الدولي الإنساني منطبقًا، وعملًا بالمادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف، فإن هذا الالتزام ينطبق في هذا الشق على النزاعات المسلحة الدولية وغير الدولية على السواء، وتأييدًا لذلك نستند إلى حكم محكمة العدل الدولية في قضية الأنشطة العسكرية وغير العسكرية في قضية نيكارجوا حيث أشارت المحكمة إلى أن الولايات المتحدة، بموجب المادة الأولى المشتركة ملزمة بعدم تشجيع الأشخاص أو الجماعات المشتبكة في نزاع نيكاراجوا على انتهاك المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والخاصة بالنزاعات المسلحة غير الدولية وما يعنينا في هذا المقام هي التدابير التي تتخذها الدول بنفسها  والتي تعتمد أساسًا على الوسائل الدبلوماسية وطبيعة العلاقات القائمة بين الدول، وعادةً فإن هذه التدابير لا تشكل عائقًا من الناحية القانونية لأنها تتخذ شكل المفاوضات والاحتجاجات والاستنكار وجميعها طرق وأعراف دبلوماسية قائمة بين جميع دول العالم.

وعند انتهاك إحدى الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف لأحكام القانون الدولي الإنساني فإن باقي الدول الأطراف تملك إنفاذًا للمادة الأولى المشتركة أن تستخدم أحد الوسيلتين التاليتين للنهوض بمسؤوليتها في التزامها باحترام أحكام القانون الدولي الإنساني:

(أ) احتجاج شديد اللهجة يقدم من إحدى الدول لسفير الدولة التي تنتهك القانون الدولي الإنساني. وكذلك استنكار طرف واحد أو أكثر أو من خلال المنظمات الإقليمية على نحو علني لموقف الدول التي تنتهك أحكام القانون الدولي الإنساني:

  • والأمثلة على ذلك كثيرة نورد منها على سبيل المثال البيان الذي أدلت به الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن عام 1990 بشأن إبعاد مدنيين فلسطينيين من الأراضي المحتلة، والذي جاء فيه إدانة صريحة من الولايات المتحدة الأمريكية بأن ما تقوم به إسرائيل بشأن الإبعاد هو خرق لاتفاقية جنيف الرابعة، ودعت الحكومة الإسرائيلية بكل قوة إلى وقف الإبعاد فورًا وبصورة دائمة، وإلى الامتثال لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة في كل الأراضي التي احتلتها منذ 5 يونية 1967.
  • وكذلك نشير إلى قرار مجلس جامعة الدول العربية رقم 5038/ د أ الذي أدان في الدورة الاستثنائية التي عقدها في القاهرة في 30، 31 أغسطس/ آب 1990 انتهاك السلطات العراقية لأحكام القانون الدولي الإنساني المتعلقة بمعاملة المدنيين في الأراضي الكويتية التي تقع تحت الاحتلال العراقي.
  • ونشير أخيرًا إلى القرارات المتعاقبة لمجلس جامعة الدول العربية بشأن عدم احترام الحكومة الإسرائيلية لأحكام القانون الدولي الإنساني واتفاقية جنيف الخاصة بمعاملة المدنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

(ب) وهناك مجموعة من التدابير القسرية  يجب أن تكون متوافقة مع أحكام القانون الدولي، وهذه مجموعة من التدابير القسرية يمكن للدول أن تلجأ إليها لإلزام الدولة التي تنتهك القانون الدولي الإنساني باحترام أحكامه وذلك مثل:

  • قطع العلاقات الدبلوماسية كما حدث بين كلاً من موريتانيا وفنزويلا ضد الحكومة الإسرائيلية بسبب الحرب في غزة عام 2008. أو وقف المفاوضات الدبلوماسية الجارية أو رفض التصديق على المعاهدات التي سبق أن وقعها الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، عقب غزو أفغانستان (1979).
  • وكذلك تشمل هذه التدابير الامتناع عن تجديد الامتيازات أو الاتفاقيات التجارية، أو تخفيض أو وقف أي معونة حكومية للدولة المعنية كما هو الحال عندما أوقفت هولندا في ديسمبر/ كانون الأول 1982 تنفيذ برنامج لمعونة سورينام لمدة تتراوح بين 10 و15 سنة، كرد فعل للاغتيالات التي ارتكبتها الميليشيا والانتهاكات الأخرى لحقوق الإنسان.
  • كما قد تشمل هذه الفئة من التدابير تقييد و/ أو حظر بيع الأسلحة والتكنولوجيا العسكرية والتعاون العلمي ومثال ذلك عندما اتخذت المجموعة الأوروبية سلسلة من القرارات في 4 أغسطس/ آب 1990 تتعلق بالعراق، وتشتمل من بين جملة أمور أخرى على حظر بيـع الأسلحة والمعدات العسكـرية الأخرى ووقف كل تعاون تقني وعلمي.
Menu