يمتد نطاق القانون الدولي الإنساني إلى النزاعات المسلحة من حيث نطاقه المادي، وإلى فئات معينة من الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال أو لم يعودوا قادرين على المشاركة فيه. ومن حيث النطاق المادي فإننا سنعرض لثلاث حالات:

الأولى النزاعات المسلحة الدولية، والثانية النزاعات المسلحة غير الدولية، أما الثالثة فهي حالات لا يشملها القانون الدولي الإنساني وهي التوترات والاضطرابات الداخلية.

نطاق تطبيق القانون الدولي الإنساني

1- النزاع المسلح الدولي

نصت الاتفاقيات الأربع في مادتها الثانية المشتركة على أنها: “تطبق في حالة الحرب المعلنة أو أي نزاع مسلح آخر بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة حتى وإن لم يعترف أحدهما بحالة الحرب”.

فهذا النص صاغ بوضوح معيار اعتبار نزاع ما دوليًا بكونه بين دولتين أو أكثر، وإذا لم تكن إحدى دول النزاع في اتفاقيات جنيف فإن الدول الأطراف فيها تبقى ملتزمة بها في علاقاتها المتبادلة، كما أنها تلتزم بالاتفاقيات إذا قبلت الدولة غير الطرف أحكامها وطبقتها.

وتتعلق الفقرة الثانية من ذات المادة بالاحتلال، وهو يدخل ضمن إطار النزاع المسلح الدولي أيًا كانت مدته أو مداه وسواء كانت هناك مقاومة مسلحة أم لا فإن الاتفاقيات تطبق في حالات الاحتلال الذي صاغت الاتفاقية الرابعة أهم أحكامه.

وقد أكدت المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الأول الخاص بالنزاعات المسلحة الدولية هذه الأحكام في فقرتها الثانية، وأضافت في فقرتها الرابعة حكمًا هامًا عندما نصت على انطباق اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول على “النزاعات المسلحة التي تناضل الشعوب بها ضد التسلط الاستعماري والاحتلال الأجنبي وضد الأنظمة العنصرية وذلك في ممارستها لحق الشعوب في تقرير المصير، كما كرسته ميثاق الأمم المتحدة والإعلان المتعلق بمبادئ القانون الدولي الخاصة بالعلاقات الودية بين الدول طبقًا لميثاق الأمم المتحدة”. وبهذا النص أمكن تكييف حروب التحرير كنزاعات دولية وكان ذلك مطلبًا قديمًا نجحت شعوب الدول المستعمرة ودول العالم الثالث في إدراجه على الرغم من صعوبة المناقشات والمفاوضات التي أحاطت بهذا البند في أثناء المؤتمر الدبلوماسي.

2- النزاع المسلح غير الدولي

واقع الأمر أن اصطلاح النزاعات المسلحة غير الدولية ينصرف كقاعدة عامة إلى النزاعات المسلحة التي تثور داخل حدود إقليم الدولة وكان القانون الدولي العام قد استقر في شأن بيان القانون واجب التطبيق على تلك النزاعات على الإحالة إلى القانون الداخلي للدولة التي نشب النزاع على إقليمها.

وكان من شأن تزايد النزاعات المسلحة غير الدولية أن لحقها قدر من التنظيم الدولي يمكننا رصده من خلال المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع ثم من خلال البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 والخاص بالنزاعات المسلحة غير الدولية.

2- النزاع المسلح غير الدولي

أ- تعريف النزاع المسلح غير الدولي في اتفاقيات جنيف لعام 1949:

كان مؤدى اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 إخضاع النزاع غير الدولي إلى الحد الأدنى من مقتضيات الإنسانية بقوة القانون وبمقتضى أحكام المادة الثالثة المشتركة بين هذه الاتفاقيات.

وقد أوردت المادة 3 في جملتها الأولى عبارة “النزاع المسلح الذي ليس له طابع دولي” والذي يقع في أراضي أحد الأطراف السامية المتعاقدة، ولم تضع تعريفًا للنزاع المسلح غير الدولي بل انطلقت من كونه ظاهرة موضوعية. ولكن يمكننا القول بإيجاز أنه استقر على تعريفها بأنها تلك النزاعات التي تخوض فيها القوات المسلحة لدولة ما مواجهة مسلحة مع فئة أو بعض الفئات داخل ترابها الوطني.

ولقد حاول العديد من مندوبي الدول المشاركة في المؤتمر الدبلوماسي عام 1949 تحديد بعض العناصر والمعايير الخاصة بالنزاع غير الدولي لإدراجها في تعريف محدد. ولكن الصيغة النهائية للمادة جاءت من هذا التعريف.

ومع ذلك ورد في شرح تلك المادة الصادر عن اللجنة الدولية للصليب الأحمر عدة معايير أخذت في الاعتبار تلك العناصر والمدلولات التي أثيرت أثناء مؤتمر عام 1949 لتكييف النزاع المسلح غير الدولي.

وأخيرًا نشير إلى أن الفقرة الرابعة من المادة الثالثة نصت صراحة على أن تطبيق القواعد الإنسانية في النزاعات غير الدولية لا يؤثر بأي حال على الوضع القانوني لأطراف النزاع ونجد بالتالي إعادة تأكيد القاعدة القديمة القاضية باحترام سيادة الدولة التي يقع النزاع على أراضيها. ورغم أهمية هذا ومواكبته جميع الحروب الداخلية منذ الخمسينيات وحتى اليوم فإنه لم يكن كافيًا لتغطية جميع الجوانب الإنسانية لتلك النزاعات، ولذلك صيغت أحكام جديدة في البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977.

ب- تعريف النزاعات غير الدولية في البروتوكول الثاني لعام 1977:

جاء هذا البروتوكول مكملًا المادة الثالثة المشتركة ونص صراحة على أنه يطبق في الحالات التي لا تشملها النزاعات المسلحة الدولية وإنما يطبق في النزاعات المسلحة التي تدور على إقليم أحد الأطراف السامية المتعاقدة بين قواتها المسلحة وقوات مسلحة أو جماعات نظامية مسلحة أخرى وتمارس تحت قيادة مسؤولة على جزء من إقليمه من السيطرة ما يمكنها من القيام بعمليات عسكرية متواصلة ومنسقة وتستطيع تنفيذ هذا البروتوكول.

وهكذا نجد أن المادة الأولى من البروتوكول الإضافي الثاني أبقت على المادة (3) المشتركة ودون المساس بشروط تطبيقها.

الخلاصة: أساس ومكمن التمييز بين النزاعات المسلحة الدولية والنزاعات المسلحة غير الدولية لانطباق قواعد القانون الدولي الإنساني

لأغراض انطباق أحكام القانون الدولي الإنساني هناك طائفتان من النزاعات المسلحة: فهناك من جانب النزاعات المسلحة الدولية التي تقابلها النزاعات المسلحة غير الدولية. وقد تناولنا فيما سلف بالبيان تلك الطائفتين من النزاعات المسلحة، من حيث ماهية كل منهما ومن حيث القواعد القانونية واجبة الانطباق في شأنهما. وهو الأمر الذي تتبين معه أن جملة القانون الدولي للنزاعات المسلحة الدولية، وما يستتبعه من مبادئ للقانون الدولي الإنساني في مجملها، قد انصرفت فحسب في مواجهة تلك النزاعات المسلحة الدولية التي تمثلت أطرافها بصفة خاصة في الدول وحركات التحرير الوطنية بمناسبة نضالها من أجل الاضطلاع بحق تقرير المصير، بحيث لم تنطبق في مواجهة النزاعات المسلحة غير الدولية إلا فحسب تلك المبادئ التي تضمنتها المادة الثالثة المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977.

ومكمن التمييز هنا يرجع إلى أن القانون الدولي الإنساني كان ينظر في جوهر الشخصية القانونية الدولية ذاتها، وبالتالي فإن القانون الدولي الإنساني كان ينطبق في مواجهة أشخاص القانون الدولي العام وهي الدول وحدها. وكان ذلك راجعًا إلى أن “مبدأ سيادة الدولة” الذي كان يخضع النزاع المسلح الدولي بحسب الأصل إلى القانون الداخلي للدولة حتى بدء التنظيم الدولي للنزاعات المسلحة غير الدولية بالمادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف عام 1949 والبروتوكول الإضافي لعام 1977.

وكان من شأن هذه التفرقة التقليدية التي أخذت بها هذه الاتفاقيات وبروتوكوليها الإضافيين أن اقتصر تعريف “الانتهاكات الجسيمة” وهي جرائم الحرب على تلك الانتهاكات التي ترتكب أثناء النزاع المسلح الدولي.

ولكن في السنوات الأخيرة ظهرت الحاجة إلى ضرورة تأثيم الانتهاكات التي ترتكب في زمن النزاع المسلح غير الدولي، وكانت المادة (5) من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة قد منحت للمحكمة صراحة صلاحية النظر في الجرائم ضد الإنسانية عندما تقترف في أثناء نزاع مسلح ذي طابع دولي أو داخلي، وتوجه ضد سكان مدنيين.

وجاء النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي جرى اعتماده عام 1998 بالنص صراحة على معاقبة جرائم الحرب سواء في النزاعات المسلحة الدولية أو غير الدولية. وهذا التقارب مرده ما أسفرت عنه النزاعات المسلحة غير الدولية في يوغوسلافيا السابقة ورواندا من مآس فاقت العديد من النزاعات المسلحة الدولية.

ويبقى في النهاية أن نشير إلى أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر وهي المنظمة الإنسانية التي تضطلع برعاية انطباق أحكام القانون الدولي الإنساني أثناء النزاعات المسلحة، تملك اختصاصات أصيلة في الاتفاقيات والبروتوكول الإضافي الأول تمارسها بقوة القانون دون التوقف على إرادة الدول أطراف النزاع في حالة النزاع المسلح الدولي. أما في حالة النزاع المسلح غير الدولي فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تبادر بعرض خدماتها على الدولة التي يجري النزاع على أرضها ولحكومة تلك الدولة أن توافق على مبادرة اللجنة الدولية أو ترفضها.

3- الحالات التي لا تشملها حماية القانون الدولي الإنساني

إذا كنا فيما سبق قد تعرضنا لأحكام القانون الدولي الإنساني فيما يتعلق بالنزاعات المسلحة سواء كانت دولية أو غير دولية وخلصنا إلى أن هذه النزاعات تدخل ضمن نطاق الحماية القانونية للقانون الدولي الإنساني، فإن التوترات والاضطرابات الداخلية قد استثنيت تمامًا من نطاق اتفاقيات جنيف وبروتوكوليها الإضافيين، ونصت المادة الأولى من البروتوكول الثاني في فقرتها الثانية صراحة على ما يلي: “لا يسري هذا البروتوكول على حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية”.

وجميع بلدان العالم مهما كانت درجة تقدمها العلمي والثقافي والاقتصادي ونظام الحكم السائد فيها ليست بمنأى عن التوترات والاضطرابات الداخلية وهي حالات متعددة الأسباب وتتم معالجتها وفق ظروف كل بلد ومعطياته الداخلية.

أ- تعريف الاضطرابات والتوترات الداخلية

لا يوجد صك من صكوك القانون الدولي يقدم تعريفًا دقيقًا للظاهرة التي يطلق عليها بصفة عامة اسم “الاضطرابات والتوترات الداخلية”، فالفقرة 2 من المادة 1 من البروتوكول الإضافي الثاني والسالف الإشارة إليها قد تضمنت حالات الفوضى، أعمال العنف المعزولة والمتفرقة، والأعمال الأخرى ذات الطبيعة المماثلة وهي لا تعدو أن تكون مجرد أمثلة للتوضيح وليست تعريفًا، إذ إن العبارة التي جرى عليها النص “مثل الشغب وأعمال العنف… إلخ” وإذ حاولنا إيجاد تعريف للاضطرابات الداخلية نجد أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر قد صاغت في تقرير عرضته على الخبراء الحكوميين في مؤتمر جنيف لعام 1971 وصفًا للاضطرابات الداخلية بأنها: “الحالات التي دون أن تسمى نزاعًا مسلحًا غير دولي بمعنى الكلمة، توجد فيها، على المستوى الداخلي، واجهة على درجة من الخطورة أو الاستمرار وتنطوي على أعمال عنف قد تكتسي أشكالًا مختلفة بدءًا بانطلاق أعمال ثورة تلقائيًا حتى الصراع بين مجموعات منظمة شيئًا ما والسلطات الحاكمة. وفي هذه الحالات التي لا تؤدي بالضرورة إلى صراع مفتوح، تدعو السلطات الحاكمة قوات شرطة كبيرة وربما قوات مسلحة حتى تعيد النظام الداخلي إلى نصابه. وعدد الضحايا المرتفع جعل من الضروري تطبيق حد أدنى من القواعد الإنسانية”.

وحول التوترات الداخلية تضمن التقرير نفسه بعض الخصائص التي تميزها مثل الاتفاقيات الجماعية وارتفاع عدد المعتقلين السياسيين، أو المعتقلين بسبب آراءهم ومعتقداتهم وظروف الاعتقال اللاإنسانية والمعاملة السيئة وتعطل الضمانات القضائية الأساسية عند إعلان حالة الطوارئ مثلًا وظهور حالات الاختفاء. وقد تكون هذه الظواهر منفردة أو مجمعة لكنها تعكس رغبة النظام الحاكم في تطويق آثار التوتر من خلال اللجوء إلى وسائل وقائية للسيطرة على الأوضاع.

ولا يعني استثناء حالات التوترات والاضطرابات الداخلية من مجال تطبيق القانون الإنساني أن القانون الدولي يتجاهله بل إن مواثيق حقوق الإنسان تعالج آثارها وتضمن المعالجة الإنسانية للموقوفين أو المعتقلين بسبب الأوضاع الناجمة عن التوتر أو الاضطراب الداخلي، فضلًا عما في الدساتير والقوانين الداخلية من حقوق وضمانات جماعية وفردية.

ومن الطبيعي عند البحث عن أساس لحماية الأفراد ضد العنف والمعاملة التعسفية أن ننظر أولًا إلى النظام القانوني الوطني. فبدون شك يجب على القانون الوطني مع مؤسساته وأجهزته العديدة لمنع وقمع المخالفات، أن يكفل الضمان الفعال لحقوق الفرد. ومع ذلك، وعلى الأقل منذ أن صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1949، أصبح من المسلم به أن حماية “الكرامة الطبيعية المتأصلة لجميع أفراد الأسرة البشرية” واجب يقع أيضًا على عاتق المجتمع الدولي. والتعبير القانوني عن ذلك الواجب هو التشريع الدولي لحقوق الإنسان بمختلف معاهداته المستكملة بقواعد العرف.

وتنطبق في جميع الأوقات الأحكام المتعلقة بحقوق الإنسان وتلك التي أقر بها قانون العرف. بل إن السلطات تلتزم باحترامها حتى في حالات الأزمة الداخلية إلا إذا حدث “في زمن الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة” (الفقرة 1 من المادة 4 من العهد الدولي لعام 1966 الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية) أن أعلنت حالة الطوارئ. وللدول عندئذ أن تتخذ إجراءات تخالف التزامها المتعهد بها بمقتضى معاهدات حقوق الإنسان ولكنها تظل ملتزمة بأن تحترم في جميع الأوقات وفي جميع الظروف عددًا من الحقوق الأساسية، أي “جوهر” حقوق الإنسان هو المستوى الأدنى المطلوب لحماية كرامة الإنسان حتى في أوقات الأزمات الحادة.

وسوف يساعد استقصاء موجز للقانون الدولي الإنساني المنطبق في حالات النزاع المسلح على تحديد هذا الجوهر المشترك للحقوق المنطبقة في جميع الأوقات وفي جميع الظروف، فهذا الجزء بالذات من القانون الدولى المدون لمجال مقيد إلى حد ما، له أيضًا “جوهر للحقوق الأساسية” التي يجب أن تراعى في جميع أشكال النزاع المسلح. وهذه الحقوق مبينة في المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع والمنطبقة في النزاعات المسلحة التي ليس لها طابع دولي. ومن المسلم به بصفة عامة أن جوهر المادة 3، ذات الطابع العرفي، يشكل جزءًا من القواعد الآمرة ولذا فهو ملزم لجميع الدول. وبالتالي تتجاوز الالتزامات الواردة في المادة 3 مجال تطبيق هذه المادة. فهي سارية المفعول بالنسبة لجميع أشكال النزاع المسلح. وقد أكدت ذلك منذ عهد قريب محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر في قضية نيكاراجوا ضد الولايات المتحدة. فالمحكمة قد توصلت إلى استنتاج أن المادة 3، في شكلها العرفي، تشكل “مقياسًا للحد الأدنى” ينطبق على جميع النزاعات المسلحة.

فهذا “المقياس للحد الأدنى” في القانون الدولي الإنساني، والوارد في المادة 3، يطابق إلى حد كبير جملة الضمانات التي لا تستطيع الحكومات التحلل منها حتى في حالات الطوارئ. وهذه الأحكام ملزمة في النزاعات المسلحة، بما في ذلك النزاعات المسلحة التي ليس لها طابع دولي، ومنطقيًا ملزمة أيضًا بالتالي في حالات الاضطرابات والتوترات الداخلية. فالاستنتاج بناء على ذلك هو أن القانون الدولي “يلزم في جميع الظروف ودون استثناء بأن تحترم الفرد عن طريق مراعاة أحكام أساسية معينة في حالة الطوارئ العامة التي تهدد حياة الأمة”.

ونخلص من هذا إلى أن هناك هدفًا مشتركًا بين المواثيق الدولية لحقوق الإنسان واتفاقيات القانون الدولي الإنساني هو حماية حقوق الإنسان وحرياته والحفاظ على كرامته، وإن تميزت اتفاقيات القانون الدولي الإنساني بأنها تعمل على تأمين هذه الحقوق في ظروف خاصة هي النزاعات المسلحة. وهذا التميز جعل اتفاقيات جنيف تشمل بحمايتها فئات لم تكن في بؤرة اهتمام القانون الدولي التقليدي لحقوق الإنسان كالجرحى والغرقى وأسرى الحرب.

وتتضمن الصكوك الدولية لحقوق الإنسان أحكامًا تسمح للدول لدى مواجهتها لحظر عام جسيم أن توقف العمل بالحقوق الواردة بهذه الصكوك وذلك باستثناء حقوق أساسية معينة، مبينة في كل معاهدة، يجب احترامها في جميع الأحوال، ولا يجوز المساس بها بصرف النظر عن المعاهدة التي أوردتها وتشمل هذه الحقوق بصفة خاصة الحق في الحياة وحظر التعذيب والعقوبات أو المعاملة اللاإنسانية وحظر العبودية والاسترقاق، ومبدأ الشرعية وعدم رجعية القوانين. ويطلق على هذه الحقوق الأساسية التي تلتزم الدول باحترامها في جميع الأحوال حتى أوقات النزاعات أو الاضطرابات اسم “النواة الصلبة” لحقوق الإنسان.

ولما كان القانون الإنساني يسري في أوضاع استثنائية بطبيعتها هي أوضاع النزاع المسلح، فإن مضمون حقوق الإنسان التي يتعين على الدول الالتزام بها في جميع الأحوال، “النواة الصلبة”، يتفق إلى حد بعيد مع الضمانات الأساسية والقانونية التي يكفلها القانون الإنساني.

Menu