bx-arrow-back المقالات

20 مارس، 2022

التعريف بالقانون الدولي الإنساني وعلاقته بقانون حقوق الإنسان

أولًا: التعريف بالقانون الدولي الإنساني وتطور اتفاقياته

ظاهرة الصراع هي إحدى الحقائق الثابتة في الواقع الإنساني، والجماعة منذ نشأة الحياة على الأرض.

وفي العصور القديمة كانت الحروب تتسم بالوحشية والمغالاة في سفك الدماء، ولم ينج من ويلاتها عجوز فان أو امرأة أو طفل رضيع. فظهرت بذلك الحاجة إلى ضرورة خلق قواعد- يلزم مراعاتها في أثناء تلك الصراعات- تعمل على مراعاة الاعتبارات الإنسانية.

القانون الدولي

وعلى مر العصور تشكلت هذه القواعد حتى أصبحت في عصرنا الراهن فرعًا قانونيًا من أفرع القانون الدولي العام هو “القانون الدولي الإنساني”.

1- فما هو القانون الدولي الإنساني؟

القانون الدولي الإنساني الواجب التطبيق في النزاعات المسلحة هو، في مفهوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر، القواعد الدولية الاتفاقية أو العرفية التي تقصد بها، خصيصًا، تسوية المشكلات الإنسانية الناجمة مباشرة عن النزاعات المسلحة، دولية كانت أم غير دولية، والتي تحد لأسباب إنسانية من حق أطراف النزاع في استخدام ما يحلو لها من وسائل القتال وطرقه وتحمي الأشخاص والأعيان التي يلحق بها الضرر أو تتعرض له من جراء هذا النزاع.

وتعتبر مصطلحات “قانون الحرب” و”قانون النزاعات المسلحة” و”القانون الدولي الإنساني” مترادفة في المعنى. فالمصطلح التقليدي الذي كان سائدًا حتى إبرام ميثاق الأمم المتحدة كان قانون الحرب، ولما أصبحت الحرب غير مشروعة وفقًا لميثاق الأمم المتحدة، حيث وردت كلمة الحرب في ديباجة الميثاق عند الإشارة إلى إنقاذ “الأجيال المقبلة من ويلات الحرب” ثم استخدام الميثاق تعبير “استخدام القوة”، شاع استخدام مصطلح قانون النزاعات المسلحة ثم وفي بداية السبعينيات تأثر هذا القانون بحركة حقوق الإنسان على الصعيد الدولي خاصة في أعقاب مؤتمر طهران عام 1968 وشاع استخدام مصطلح “القانون الدولي الإنساني”.

2- قانون جنيف وقانون لاهاي

كثيرًا ما يُستعمل قانون جنيف وقانون لاهاي في كتابات القانون الدولي الإنساني كقسمين لهذا القانون.

والمقصود بقانون جنيف هو القانون الذي يسعى إلى حماية ضحايا النزاعات المسلحة، وتشكل اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977 المصادر الأساسية لها.

والمقصود بقانون لاهاي هو القانون الذي ينظم استخدام القوة ووسائل وأساليب القتال، وتشكل اتفاقية لاهاي لعام 1907 والاتفاقيات المعنية بحظر الأسلحة مصادره الأساسية.

والواقع أنه منذ ظهور بروتوكولي عام 1977 زالت هذه التفرقة إذ تضمن البروتوكول الإضافي الأول خاصة العديد من الأحكام الخاصة بوسائل وأساليب القتال ولم يعد لهذا التمييز بينهما إلا قيمة تاريخية. وقد عبر الدكتور عامر الزمالي عن ذلك بأن: “بروتوكولي عام 1977 وخاصة الأول منهما تضمن قواعد صهرت القانونين معًا، وليس من الوجاهة الحديث عن قانونين منفصلين والحال أن القانون الدولي الإنساني يشمل الاثنين”.

3- تطور القانون الدولي الإنساني

مر القانون الدولي الإنساني منذ أول اتفاقية أبرمت في جنيف عام 1864 وحتى البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 بعدة مراحل نعرضها فيما يلي:

تطور القانون الدولي الإنساني

1- اتفاقية جنيف لعام 1864 بشأن تحسين حال الجرحى العسكريين في الميدان:

كانت هذه الاتفاقية التي دعت الحكومة السويسرية الدول إلى توقيعها هي الأولى من نوعها وتمثل نقطة انطلاق للقانون الدولي الإنساني. وكان قوام هذه الاتفاقية عشر مواد وأرست قواعد لم تهتز منذ ذلك الحين مثل حياد عربات الإسعاف والمستشفيات العسكرية وضرورة حمايتها واحترامها وحياد وحماية أفراد الخدمات الطبية والمتطوعين المدنيين الذين يساهمون في أعمال الإغاثة وتقديم المساعدة الطبية دون تمييز، كما نصت على وجود شارة خاصة على المستشفيات وأن يحملها أفراد فريق الخدمات الطبية هي “صليب أحمر على رقعة بيضاء”.

2- اتفاقية لاهاي بشأن تعديل مبادئ اتفاقية جنيف 1864 لملاءمة النزاع المسلح في البحار:

يلاحظ أن اتفاقية 1864 يقتصر مجالها على العسكريين الجرحى في الميدان. وفي مؤتمر لاهاي الأول للسلام عام 1899 أبرمت اتفاقية لملاءمة الحرب البحرية لمبادئ اتفاقية جنيف.

3- اتفاقية جنيف لعام 1906 الخاصة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان:

تعتبر هذه الاتفاقية تعديلًا وتطويرًا لأحكام اتفاقية 1864 وأضفت الحماية على فئة جديدة وهي “المرضى” وبلغ عدد موادها ثلاثًا وثلاثين مادة مما يدل على أهمية الإضافات الجديدة.

4- اتفاقية لاهاي لعام 1907 بشأن تعديل وتطوير اتفاقية 1899 الخاصة بالنزاع في البحار.

5- اتفاقيتا جنيف 1929:

كان للحرب العالمية الأولى أبلغ الأثر في الاتجاه إلى تطوير أحكام القانون الدولي الإنساني ومن أجل ذلك انعقد مؤتمر دبلوماسي في جنيف عام 1929 خلص إلى إبرام اتفاقيتين:

الاتفاقية الأولى المتعلقة بتحسين حال الجرحى والمرضى العسكريين في الميدان: وهي صيغة جديدة معدلة ومطورة لاتفاقية عام 1906 جاءت في تسع وثلاثين مادة وأقرت استخدام شارتين أخريين إلى جانب الصليب الأحمر وهما الهلال الأحمر والأسد والشمس الأحمرين.

الاتفاقية الثانية وهي الخاصة بمعاملة أسرى الحرب: وتناولت هذه الاتفاقية في موادها السبعة والسبعين أهم ما يتصل بحياة الأسير وتوفير الحماية له والاستفادة من خدمات اللجنة الدولية للصليب الأحمر ووكالتها الخاصة بجمع المعلومات عن الأسرى وتبادلها مع ذويهم.

وكانت هذه الاتفاقية هي أول تنظيم دولي لمسألة بالغة الأهمية وهي أسرى الحرب التي لم يكن لها تنظيم حتى ذلك التاريخ إلا بصورة جزئية في لائحة لاهاي.

6- اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949:

أعقاب الحرب العالمية الثانية وما شهده العالم من مآس وأضرار لحقت بالمدنيين قبل العسكريين دعت الحكومة السويسرية إلى مؤتمر دبلوماسي انعقد في جنيف عام 1949 وأسفر عن إبرام أربع اتفاقيات:

الاتفاقية الأولى: اتفاقية جنيف لتحسين حال الجرحى والمرضى بالقوات المسلحة في الميدان. وهي تعديل وتنقيح لاتفاقية جنيف الأولى لعام 1929.

الاتفاقية الثانية: اتفاقية جنيف لتحسين حال جرحى ومرضى وغرقى القوات المسلحة في البحار. وهي تعديل وتطوير لاتفاقية لاهاي لعام 1907.

الاتفاقية الثالثة: اتفاقية جنيف بشأن معاملة أسرى الحرب. وهي تعديل وتطوير لأحكام اتفاقية جنيف الثانية لعام 1929.

الاتفاقية الرابعة: اتفاقية جنيف بشأن حماية الأشخاص المدنيين وقت الحرب. وتناولت حماية المدنيين في زمن النزاعات المسلحة وهي أول اتفاقية من نوعها حيث كانت لائحة لاهاي لعام 1907 تتناول جوانب محدودة من العلاقة بين المحتل وسكان الأرض المحتلة. إلا أن اتفاقية جنيف الرابعة كانت أول نص شامل يتناول موضوع حماية المدنيين.

7- البروتوكولان الإضافيان لعام 1977:

أقر المؤتمر الدبلوماسي المنعقد في جنيف ما بين 1974 و1977 بدعوة من الحكومة السويسرية بروتوكولين إضافيين لاتفاقيات جنيف لعام 1949:

البروتوكول الإضافي الأول الخاص بالنزاعات المسلحة الدولية:

وهذا البروتوكول مكمل لاتفاقيات جنيف الأربع الصادرة عام 1949. وتضمن الباب الأول منه قاعدة هامة لشعوب العالم الثالث ومناضلي حركات التحرير، وهي النص على أن حروب التحرير تعد نزاعًا مسلحًا دوليًا. ثم جاء الباب الثاني منه والخاص بالجرحى والمرضى العسكريين والمنكوبين في البحار مكملًا لأحكام الاتفاقيتين الأولى والثانية لعام 1949، وأضفى ذات الحماية على المدنيين. أما الباب الثالث فقد تناول أساليب ووسائل القتال والوضع القانوني للمقاتل وأسير الحرب، وكان هذا الباب هو الذي دمج قانون لاهاي وقانون جنيف إذ تناول العديد من القواعد المنصوص عليها في لاهاي وأكملها بما يتلاءم والنزاعات المسلحة الحديثة. أما الباب الرابع فقد اهتم بالسكان المدنيين بهدف توفير أكبر حماية لهم من أخطار النزاعات.

البروتوكول الإضافي الثاني الخاص بالنزاعات المسلحة غير الدولية:

تناولت المادة 3 المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 النزاعات المسلحة غير الدولية إلا أن البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 قد تناولها بالتفصيل على نحو ما سنرى في المبحث الثالث من هذه الدراسة.

وفي عام 2000 تم اعتماد البروتوكول الإضافي الثالث لاتفاقيات جنيف وهو يتعلق بإضافة شارة الكريستالة الحمراء لشارتي العمل الإنساني الهلال الأحمر والصليب الأحمر.

وبعد هذا العرض الموجز لتطور قانون جنيف يجدر بنا أن نشير إلى أن هناك مواثيق دولية أخرى تتصل بالقانون الدولي الإنساني نذكر منها على سبيل المثال:

  • إعلان سان بيترسبورج لعام 1868 المتعلق بحظر استخدام بعض القذائف المتفجرة.
  • إعلان لاهاي لعام 1899 لحظر الرصاص من نوع “دمدم”.
  • بروتوكول جنيف لعام 1925 لمنع استخدام الغازات السامة والأسلحة الجرثومية.
  • اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية في زمن النزاعات المسلحة وبروتوكولاتها الإضافية.
  • اتفاقية عام 1980 بشأن حظر استخدام بعض الأسلحة التقليدية والبروتوكولات الملحقة بها.
  • اتفاقية أوتاوا لعام 1977 بشأن حظر الألغام المضادة للأفراد.
  • النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية والذي أبرم في روما عام 1998.

ثانيًا: العلاقة بين القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان

مع تزايد النداء بمبادئ حقوق الإنسان في الآونة الأخيرة وتزايد الصراعات ومن ثم النداء بتطبيق مبادئ القانون الدولي الإنساني، حدث نوع من الخلط والغموض عند الكثيرين بين هذين الفرعين القانونيين. إن القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان لهما أساس واحد مشترك وهو في الأصل حماية الإنسان ولكنهما يمثلان فرعين قانونيين مستقلين من أفرع القانون الدولي العام.

فالقانون الدولي الإنساني هو القانون الذي ينطبق في زمن النزاعات المسلحة سواء الدولية أو الداخلية. وهو يشتمل من ناحية على القواعد الخاصة بحماية ضحايا النزاعات المسلحة أو ما يسمى (قانون جنيف)، ومن ناحية أخرى القواعد الخاصة بأساليب ووسائل القتال أو ما يسمى (قانون لاهاي) وهما القانونان اللذان دمجا وتم تحديثهما إلى حد بعيد في البروتوكولين الإضافيين لعام 1977 واللذين بدأ العمل بهما اعتبارًا من عام 1978.

أما منظومة قانون حقوق الإنسان فهي تعمل على ضمان حق كل فرد في أن تُحترم حقوقه وحرياته سواء المدنية أو السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية، أو بمعنى آخر تكون معنية بضمان حقوق الفرد وحرياته ضد أي تعسف لسلطات دولته. تلك الحقوق والحريات وردت في معظم دساتير الدول على مختلف الأصعدة الوطنية لوضع علاقة تحكم علاقة الفرد بالدولة. ولكن ما يعنينا في هذا المقام قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان بمعنى القواعد الدولية المستقرة والمتعارف عليها والتي يجب على الدول أن تسهر على تطبيقها على الأصعدة الوطنية.

فهذا القانون يعترف بالفرد كأحد أشخاص القانون الدولي، تلك التي كانت قاصرة إلى وقت قريب على الدول، وهذا الاتجاه بدأ مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الصادر عام 1948 ثم في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1966 من ناحية أخرى.

خلاصة القول إذن أن أحكام القانون الدولي الإنساني معنية باحترام وكفالة انطباق القوانين الأساسية الخاصة بضحايا النزاعات المسلحة. فهو قانون خاص مرهون بظروف النزاع المسلح.

أما القانون الدولي لحقوق الإنسان فهو معني بالتقدم المستمر للفرد والذي لا يمكن أن يتحقق بداءة إلا في وقت السلم.

وأقيمت رسميًا علاقة بين حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني في المؤتمر الدولي لحقوق الإنسان الذي عقدته الأمم المتحدة في طهران عام 1968.

ففي القرار 23 الذي يحمل عنوان “احترام حقوق الإنسان في النزاعات المسلحة” حث المؤتمر على تطبيق الاتفاقيات القائمة على نحو أفضل في النزاعات المسلحة وعلى إبرام المزيد من الاتفاقيات.

أدى هذا القرار إلى بداية نشاط في الأمم المتحدة بشأن القانون الدولي الإنساني، وكانت تلك الدفعة التي تحققت في طهران هي التي قادت الدول إلى النظر بإيجابية في تطوير اتفاقيات جنيف. بينما لم تحظ المدونة التي أعدتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر بشأن الحد من المخاطر التي تصيب المدنيين في زمن الحرب لعام 1956 بذات التجاوب.

وكان لحقوق الإنسان أثرها في محتوى البروتوكولين الصادرين عام 1977. فقد استمدت الكثير من أحكام البروتوكولين مباشرة من العهد الدولي للأمم المتحدة الخاص بالحقوق المدنية والسياسية ومثال ذلك المادة 75 من البروتوكول الإضافي الأول “الضمانات الأساسية” والمادة 6 من البروتوكول الثاني “الإجراءات العقابية”.

إن التقاء القانون الدولي الإنساني مع حقوق الإنسان يؤكد أن الحرب والسلام والنزاعات الدولية وغير الدولية والقانون الدولي والقانون الوطني كلها تنطوي على مجالات تزداد تدخلًا وتحتاج إلى أن تنطبق في غالب الأحيان في نفس الوقت جنبًا إلى جنب.

فهل هذا التدخل الذي أشرنا إليه سلفًا يدفعنا إلى القبول بزوال تلك التفرقة بين هذين القانونين؟

نرى أن هذه التفرقة لا زالت قائمة. ودليلنا في ذلك شيئان:

أولًا: درجة التطابق بين القواعد الموضوعية لاتفاقيات كل قانون.

ثانيًا: مدى كفاءة آليات المراقبة والعقاب في كل منهما.

1- نستطيع القطع بأن اتفاقيات جنيف تمنح ضحايا النزاعات المسلحة قدرًا من الحماية أكبر مما تتيحه لهم اتفاقيات حقوق الإنسان لأنها أكثر ملاءمة لظروفهم. فلقد تم صياغة معظم أحكام اتفاقيات حقوق الإنسان بدون مراعاة للظروف الخاصة التي تنشأ في ظل النزاعات المسلحة. ويكفينا ذكر المثال التالي لإثبات أن اتفاقية جنيف تمنح للأشخاص المحميين حماية أوسع وأكثر ملاءمة لأوضاع النزاع المسلح مما توفره اتفاقيات حقوق الإنسان. فالحق في الحياة مثلًا، وهو من أول الحقوق التي تتضمنها اتفاقيات حقوق الإنسان وهو مشروط ببعض الاستثناءات كعقوبة الإعدام أو القتل دفاعًا عن النفس مثلًا، ولكن في حالات النزاع المسلح يلزمنا تعريف أكثر تحديدًا نظرًا لأن قتل الأعداء العسكريين يعتبر عملًا مشروعًا والحق في الحياة وفقًا لاتفاقيات جنيف له تنظيم مختلف يتفق وطبيعة النزاعات المسلحة، فهناك قتل أو اغتيال الأعداء الذين ألقوا بأسلحتهم أو استسلموا أولًا لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم ويمتد الخطر ليشمل مهاجمة الهابطين اضطراريًا من الطائرات، والهجمات العشوائية وكافة الأعمال التي يقصد بها تجويع المدنيين وتدمير الأشياء والمنشآت التي لا غنى عنها لبقاء السكان المدنيين على قيد الحياة. ومع ذلك فليست المهمة الوحيدة لقانون النزاعات المسلحة أن يكيف بعض حقوق الإنسان وفقًا للظروف الخاصة للنزاعات المسلحة. ولكن يذهب إلى ما هو أبعد إذ يضع قواعد تقع في خارج نطاق حقوق الإنسان. والعكس صحيح إذ إن اتفاقيات حقوق الإنسان تتضمن قواعد لا علاقة لها بالنزاعات المسلحة.

والخلاصة يمكننا القول إن قانون النزاعات المسلحة لا يتدخل مع حقوق الإنسان إلا جزئيًا فالأول مثلًا يحكم حق الاشتراك في القتال وإدارة العمليات العسكرية والعلاقة بين الدول المتحاربة والدول المحايدة، وليس لهذه المسائل مكان في قانون حقوق الإنسان الذي يشتمل بدوره على حقوق لا أهمية لها في النزاعات المسلحة مثل الحقوق السياسية وبعض الحريات السياسية كحرية الصحافة وحرية التعبير وحرية الاجتماع وما إلى ذلك.

2- آليات المراقبة والعقوبة:

إذا كنا قد خلصنا إلى وجود تطابق جزئي بين أحكام القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان فإنهما يختلفان تمامًا من حيث آليات المراقبة والعقوبة.

* بالنسبة لاتفاقيات جنيف فهي تطبق بالتعاون مع وتحت إشراف الدول الحامية واللجنة الدولية للصليب الأحمر.

وفي أغلب الأحيان تقوم اللجنة بدور المراقب لتنفيذ أحكام هذه الاتفاقيات، ففي حالة النزاع الدولي يحق لمندوبيها التوجه إلى الأماكن التي قد يوجد بها أسرى حرب أو محتجزين مدنيين وحق مقابلتهم بغير شهود وتتسم تقاريرهم وتوجيهاتهم بالسرية، الأمر الذي يشجع الدول على الموافقة على زياراتهم، وبصورة عامة تساهم مراقبة اللجنة في تحسين أحوال الأسرى أو المحتجزين. كما أنها في النزاعات غير الدولية تعرض خدماتها على أطراف النزاع وتتخذ فضلًا عن ذلك أية مبادرة إنسانية خاصة بتحسين أحوال ضحايا النزاعات المسلحة وحمايتهم.

هذا فيما يتعلق بآليات المراقبة، أما مكافحة الانتهاكات الجسيمة فهناك سمة مميزة للقانون الدولي الإنساني وهي أن أحكامه إلى جانب أنها ملزمة للدول فهي أيضًا ملزمة للأفراد مباشرة. وهكذا قد تعاقب الدولة أفرادًا ارتكبوا انتهاكات معينة وسندها في ذلك هو القانون الدولي. وتتطلب اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية من الأطراف السامية المتعاقدة أن تحدد عقوبات للأفراد الذين يرتكبون الانتهاكات الجسيمة وأن تقدمهم للمحاكمة.

والاختلاف بين القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان هنا اختلاف جوهري فحيث يتعلق الأمر بحقوق الإنسان تقوم الأطراف المتضررة أساسًا باتخاذ الإجراءات اللازمة أمام المحاكم الوطنية وإذا اقتضى الأمر أمام سلطة دولية. أما القانون الدولي الإنساني، فإن اتخاذ إجراءات قانونية بواسطة الأطراف المتضررة أمر مستبعد بصورة عامة لسببين، أولًا: لأن الإجراءات القانونية ليست ملائمة لتقويم الانتهاكات التي يرتكبها الجنود، وثانيًا: لأن القانون الدولي الإنساني يحمي أولًا أفرادًا لا حول لهم ولا قوة ولا يستطيعون بحسب العادة أن يلجأوا لأي إجراء قانوني وطنيًا كان أو دوليًا. وبناء على ذلك فإن تطبيق الاتفاقيات الإنسانية يكون أمرًا أكثر ضمانًا بتدخل هيئة محايدة تعمل مستقلة عن أي تأثير ويعززها وجود أحكام عقابية.

* أما اتفاقيات حقوق الإنسان فهي تقتضي بأنه يجوز للدول المتعاقدة أو للأفراد الذين انتهكت حقوقهم أن يقدموا شكوى ضد الدولة التي ارتكبت هذا الانتهاك. وأحكام الشكوى وما إلى ذلك وردت بالتفصيل باتفاقيات حقوق الإنسان وهي إجراءات قد تستغرق سنوات عديدة ولكن ما يصاحبها من دعاية وإعلام قد يكون رادعًا قويًا.

وفي الختام يمكننا أن نرصد خصائص تحدد العلاقة بين القانونين مع التسليم بأن لكل منهما مجال التطبيق الخاص به وهذه الخصائص هي:

أولًا: انطباق قواعد حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني بحيث يكمل كل منهما الآخر:

وهذا ما أعلنته الجمعية العامة للأمم المتحدة عندما قررت أن الحقوق الأساسية للإنسان كما هي معروفة في القانون الدولي ومدونة فى المواثيق الدولية سارية حتى في زمن النزاعات المسلحة. وليس هذا قرارًا نظريًا ولكن يمكن ذكر واقعة عملية وهي الحرب الأهلية التي نشبت في جمهورية الدومينكان عام 1965 كانت لجنة البلدان الأمريكية قائمة في ذلك الوقت وكان لها نشاط واسع في زيارة المعتقلين وقامت بالاتفاق مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر وتم تقسيم المهام فيما بينهما وباشرتا مهامهما بأسلوب يتجنب التداخل.

ثانيًا: كل نظام قانوني منهما يظل منفصلًا عن الآخر:

فإمكانية انطباقهما معًا بشكل تكاملي لا يمكن أن تدفعنا للخلط بين المجالين. فالنظامان القانونيان مستقلان ولكل منهما غايته الخاصة، فالقواعد الخاصة بوسائل وأساليب القتال لا يمكن أن تجد لها مكانًا بين أحكام حقوق الإنسان.

Menu