وعند الحديث عن منهج التعديل التشريعي فإن هذا يستلزم منا التعرض إلى نقطتين رئيسيتين وهما:

  1. أسلوب تجريم الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.
  2. شكل وموضع إدراج العقوبة في النظام القانوني.
منهج التعديل التشريعي

1-أسلوب تجريم الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني

يوجد أمام المشرع عدد من الخيارات لإدخال الجرائم الجسيمة إلى قانون العقوبات الوطني، وإخضاع الأفعال الإجرامية التي تشكل هذه الجرائم للقانون الوطني. وعلى نحو أكثر تحديداً تشمل هذه الخيارات ما يلي:

(أ) تطبيق القانون العسكري القائم أو القانون الجنائي العادي للبلد المعني (وهو ما يطلق عليه نظام “التجريم المزدوج double incrimination“)؛

(ب) التجريم العام (incrimination globale) بموجب القانون الوطني عن طريق الإشارة إلى الأحكام ذات الصلة في القانون الدولي الإنساني (أو الإشارة، على نحو أكثر بساطة، إلى القانون الدولي أو الاتفاقيات الإنسانية أو قوانين الحرب وأعرافها)، مع تحديد مجموعة من العقوبات للتطبيق؛

(ج) التجريم الخاص (incrimination spécifique) للجرائم الذي تنص عليها المعاهدات الإنسانية، سواء عن طريق اعتماد صياغة الاتفاقيات أو عن طريق وضع تعريف منفصل في التشريع الوطني للسلوكيات التي تشكل الجريمة؛

وفيما يلي نتعرض لتقييم هذه الأساليب المختلفة.

 

أ-تطبيق القانون العسكري القائم أو القانون الجنائي العادي للبلد المعني (نظام التجريم المزدوج)

الخيارات

وينطلق هذا الخيار من مبدأ أن قانون العقوبات الوطني ينص بالفعل على عقوبات مناسبة للأفعال الإجرامية التي تشكل انتهاكاً خطيراً للقانون الدولي الإنساني، وأن الحاجة ليست قائمة إذن للنص على تجريمها تحديداً. وبما أن قواعد القانون الدولي تسمو على القانون الوطني، فإنه ينبغي تفسير التشريع الوطني وإزالة أي تنازع وفقاً لأحكام القانون الدولي الذي تلتزم به الدولة.

فهذا الخيار يذهب إلى تطبيق ذات العقوبات المقررة لجرائم القتل والإتلاف مثلاً المنصوص عليها بالقانون الوطني على ذات الأفعال إذا ما ارتكبت كانتهاك جسيم لاتفاقيات جنيف.

المميزات

تؤثم غالبية قوانين العقوبات الحديثة عدد من الجرائم التي تدخل ضمن الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف والبروتوكولين الإضافيين. وهذا هو الحال، بوجه خاص، فيما يتعلق بالاعتداء على الحقوق الأساسية للإنسان مثل الحق في الحياة والصحة والسلامة العقلية وسلامة الجسم والحرية الشخصية والحق في التملك.

العيوب

-كثيراً ما نجد أن الجرائم المنصوص عليها في ظل القانون الجنائي الوطني لا تغطي بالكامل السلوكيات التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بإدارة العمليات العدائية؛

-إن الإجراءات والشروط التي يمكن بمقتضاها معاقبة مقترفي الجرائم بموجب القانون الجنائي الوطني لا تتفق دوماً مع مقتضيات القانون الدولي الإنساني، كما أن العقوبات لا تتلاءم وسياق النزاعات المسلحة.

وإذا كان لإحدى الدول التي تسير وفق هذا الخيار أن تخضع بالكامل لالتزاماتها بموجب الاتفاقيات، فإن الفحص التفصيلي لقانونها الجنائي يجب أن يتيح إجابات إيجابية على التساؤلات التالية:

-هل الانتهاكات التي توصف بأنها انتهاكات جسيمة في اتفاقيات جنيف والبروتوكول الإضافي الأول مدرجة بالكامل وبوضوح كاف ضمن التشريع العقابي الوطني؟

-هل يؤخذ بعين الاعتبار، عند تقرير أركان الجريمة وتحديد العقوبة، السلوك الشرعي في القتال، مثل قتل أحد جنود العدو الذي يقاتل داخل إطار نزاع مسلح دولي؟

-هل يتيح قانون العقوبات الوطني إعمال الأحكام الخاصة المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني، فيما يتعلق بالمبادئ العامة للقانون الجنائي (وخاصةً بشأن شكل ارتكاب الأفراد للأفعال الإجرامية أو الاشتراك في ارتكابها، أو فيما يتعلق باستبعاد الأعذار، أو الارتكان إلى مسؤولية القادة، الخ)؟

-هل هذا الخيار الذي يتطلب من القاضي أن يفسر القانون تفسيراً واسعاً على ضوء القانون الدولي، يلبي، من وجهة نظر المتهم، متطلبات مبدأ الشرعية الذي يقرر بأنه “لا جريمة ولا عقاب إلا بموجب القانون”، والذي ينبغي بمقتضاه تطبيق وتفسير القانون الجنائي على نحو ضيق، إذ أنه من المستقر عليه أنه لا يجوز القياس في المواد الجنائية إسناد الفعل إلى المتهم في ظل غياب نص صريح؟

ب-التجريم العام في القانوني الوطني:

إن الجرائم الجسيمة وغيرها من انتهاكات القانون الدولي الإنساني يمكن تجريمها في القانون الوطني عن طريق إدراج مادة تحيل إلى الأحكام ذات الصلة في القانون الدولي الإنساني أو الاتفاقيات الإنسانية أو القانون الدولي بشكل عام، أو حتى ربما إلى قوانين الحرب وأعرافها. ويمكن، في نفس الوقت، تحديد نطاق من العقوبات التي يمكن تطبيقها.

ومثال ذلك أن يرد نص في قانون العقوبات مثلاً يقرر معاقبة من يرتكب إحدى الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف بالسجن من خمسة عشر عاماً وحتى ثلاثين عاماً.

المميزات

-هذا الخيار بسيط واقتصادي، فهو يتيح المعاقبة على جميع انتهاكات القانون الدولي الإنساني، وذلك عن طريق إشارة مرجعية بسيطة إلى المعاهدات الدولية النافذة، والقانون العرفي متى كان منطبقاً؛

-لا تكون الحاجة قائمة إلى تشريع وطني جديد أو تعديل التشريع القائم عندما يجري تعديل المعاهدات أو حينما تنشأ التزامات جديدة لدولة تصبح طرفاً في معاهدة جديدة.

العيوب

-قد يثبت أن التجريم العام على هذا النحو لا يحقق مبدأ الشرعية وخاصة لأن هذه الوسيلة لا تتيح أي تمييز بين العقوبات بما يتفق وجسامة الفِعل، ما لم يترك تقرير ذلك للقاضي تطبيقاً لمعايير صارمة ترد بالقانون؛

-يتطلب الأمر من القاضي في المحكمة الوطنية أن يحدد ويفسر القانون على ضوء أحكام القانون الدولي، مع ترك مساحة كبيرة لتقدير كل قاض على حدة. ومهمة القاضي ليست يسيرة، لأن تعريف الجرائم الجسيمة المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية عادة ما يكون غامضاً، ولا يتفق ونمط الصياغة الذي يألفه القاضي عادة في التشريعات الوطنية.

 
القانون الدولي الإنساني

ج-التجريم الخاص للجرائم كما تنص عليه المعاهدات الإنسانية:

هذا الأسلوب يعتمد على نقل السلوكيات التي تعتبرها المعاهدات الدولية جرائم حرب إلى القانون الوطني:

*إما عن طريق نقل قائمة الجرائم كاملة إلى القانون الوطني بنفس العبارات الواردة بالمعاهدات، مع تجديد العقوبات التي تنطبق عليها، سواء على نحو فردي أي لكل جريمة فيها على حدة، أو وفقاً لفئات الجرائم؛

*وإما عن طريق إعادة التعريف أو بإعداد صياغة خاصة للجرائم بتحديد تعريف وأركان وعقوبات هذه الجرائم وفقاً للمصطلحات التشريعية المستخدمة في القانون الوطني.

المميزات

-عند إدراج هذه الجرائم على نحو منفصل في القانون الجنائي الوطني، فإن هذا التحديد يتيح لدولة ما تطبيق الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية الدولية والمعاقبة عليها على الصعيد الوطني حتى ولو لم تكن الدولة طرفاً فيها. (على سبيل المثال النص على تأثيم الأفعال الواردة بالمواد “6، 7، 8” من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية)؛

-وفيما يتعلق بالمتهم، فإن تجريم الأفعال على هذا النحو يحقق أفضل احترام لمبدأ الشرعية، طالما أنه يحدد على نحو واضح وقابل للتوقع السلوكيات التي تعتبر مؤثمة وتحدد من ثم العقوبات المقررة لها؛

-تيسير مهمة الأشخاص المسؤولين عن تطبيق القانون، وذلك بإعفائهم من العبء المضني المتمثل في البحث والمقارنة والتفسير في مجال القانون الدولي.

العيوب

-يعد التجريم الخاص مهمة كبرى بالنسبة للمشرع، تتطلب جهداً كبيراً في البحث والصياغة. كما أنها قد تستلزم المراجعة الشاملة للتشريع العقابي القائم؛

-إذا كان التجريم شديد الاكتمال والخصوصية، فقد يفتقد إلى المرونة المطلوبة لإدراج التطورات ذات الصلة في القانون الدولي بحيث يلزم تعديل التشريع الوطني وفقاً للتطورات التي تلحق بالقانون الدولي الإنساني.

2-شكل وموضع تجريم انتهاكات القانون الدولي الإنساني في التشريع الوطني:

إن مختلف أساليب تجريم انتهاكات القانون الدولي الإنساني، وخاصة عند اللجوء إلى التجريم العام أو الخاص، يمكن أن تتخذ أياً من الأشكال التالية:

  • القانون الخاص: ويكون ذلك بسن تشريع مستقل للعقاب على الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي الإنساني.

(ب) الإدراج في التشريع العقابي القائم (سواء في قوانين العقوبات العادية و/أو قوانين العقوبات العسكرية).

إن إدماج التجريم والأحكام العامة للمسؤولية والإجراءات الجنائية في قانون واحد، بما يتوافق والمتطلبات الخاصة للقانون الدولي في هذا الصدد، تسهم بالتأكيد في تسهيل عمل القانونيين في تلك الدول التي تقر بهذه الإمكانية.

بيد أن اعتماد الدولة لقانون خاص منفصل عن قوانين العقوبات لا يتلاءم دوماً مع بنية نظام التشريع العقابي. وعلاوة على ذلك، يتعارض ذلك مع اتجاه دول أخرى ترغب في تركيز أحكامها العقابية، قدر المستطاع، في وثيقة قانونية واحدة.

كما أن خيار الإدراج داخل التشريع القائم، بغض النظر عن إلزامه للمشرع بتحديد شكل الإدراج (في قسم أو فصل خاص، أو على هيئة استكمال لقائمة الجرائم القائمة، إلى غير ذلك)، يطرح أيضاً مشكلة موضع القانون، ويطرح على وجه الخصوص مسألة ما إذا كان سيوضع في قانون العقوبات العام أم في قانون العقوبات العسكري.

وإذا ما أخذنا في الاعتبار أن مرتكبي انتهاكات القانون الدولي الإنساني قد يكونوا من العسكريين وأيضاً من المدنيين فإن بعض الدول قد أدرجت الجرائم ذاتها في قانوني العقوبات العام والعسكري على حد سواء، أو وسعت من نطاق انطباق أحدهما يشمل الفئتين العسكريين والمدنيين.

ولما كان النظام التشريعي العقابي يختلف كثيراً من بلد لآخر، كما تختلف أيضاً العلاقة بين القانون الجنائي العادي والقانون الجنائي العسكري، يصعب تفضيل أي من البديلين دون معرفة الظروف الخاصة. فرغم أن أحد الخَيَارات قد يكون مناسباً على نحو خاص لأحد النظم، فإنه قد يصبح غير ملائم في نظام آخر.

وبشكل عام، يجدر أن يؤسس المشرع اختيار شكل أو آخر على معايير تأخذ في الاعتبار السمات الخاصة التالية لانتهاكات القانون الدولي الإنساني:

-يمكن ارتكاب الجرائم بواسطة العسكريين أو المدنيين على حدٍ سواء. وبناءً عليه، تتعين كفالة ألا يستبعد الخيار المعتمد انطباق القانون على أحد الفئات بحيث يكون هناك فراغ تشريعي بالنسبة لها.

-هذه الانتهاكات الجسيمة تشكل جرائم تتعلق بالقانون الدولي، وإذا ما ارتكبت فإنها تعد مخالفة للنظام العام الآمر الدولي ومن ثم تستتبع انطباق قواعد خاصة كمبدأ الاختصاص الجنائي العالمي.

ومن خلال استعراض بعض التشريعات المقارنة فيما يلي سوف نحاول أن نلقي الضوء على كيفية حسم بعض التشريعات لتلك الإشكالية من خلال توضيح الموضع التشريعي الذي وردت به أحكام القانون الدولي الإنساني، ويجدر الإشارة إلى أن هناك بعض التشريعات التي صاغت قوانين خاصة للمحاكمة على انتهاكات القانون الدولي الإنساني مثل القانون البلجيكي الصادر عام 1993.

في حين أن المملكة الأردنية الهاشمية والجمهورية اليمنية أدرجت جرائم الحرب ضمن قانون العقوبات العسكري.

وهناك دول أخرى تدرج هذه الجرائم ضمن قانون العقوبات العام وقانون العقوبات العسكري في آن واحد كالمشرع الأسباني الذي أدرجها ضمن قانون العقوبات الأسباني بموجب تعديل أدخل في 24 نوفمبر 1995، كما أوردها ضمن قانون العقوبات العسكري الصادر عام 1985.

عند الحديث عن موقف التشريعات المقارنة من تجريم انتهاكات القانون الدولي الإنساني فإنه يلزم أن نميز بين مرحلتين، الأولى قبل إبرام نظام روما الأساسي بشأن المحكمة الجنائية الدولية والثانية بعد إبرام هذا النظام.

1-مرحلة ما قبل اعتماد نظام روما:

منذ اعتماد اتفاقيات جنيف عام 1949 وحتى اعتماد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عام 1998 مضى ما يقرب من خمسين عاماً. خلال هذه الفترة لم يشهد العالم تطبيقاً مثالياً لأحكام اتفاقيات جنيف فيما يتعلق بتجريم انتهاكات القانون الدولي الإنساني على الصعيد الوطني والنص على مبدأ الاختصاص الجنائي العالمي كبديل كان قائماً منذ عام 1949 لتحقيق الردع على الصعيد الدولي.

وعند البحث في التشريعات التي كانت قائمة قبل اعتماد نظام روما فإنني بخلاف بعض الأحكام الجزئية التي وجدت في بعض التشريعات العقابية، أستطيع أن أشير إلى أمثلة قليلة في القانون المقارن كانت كاملة أو شبه متكاملة في مجال جرائم الحرب، وأعني هنا على صعيد التشريعات الغربية التشريعين البلجيكي والأسباني، وعلى صعيد التشريعات العربية التشريعين اليمني والأردني، هذا فضلاً عن بعض التشريعات التي كانت تتضمن نص يحيل إلى اتفاقيات جنيف ولحقيها مثل التشريعين الكندي والسويسري.

وفيما يلي سوف أوجز أهم الأحكام التي وردت في التشريع البلجيكي ثم في التشريعين اليمني والأردني.

أ-القانون البلجيكي:

بتاريخ 16 يونيو 1993 صدر قانون خاص بشأن مكافحة الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جنيف لعام 1949 واللحقين الإضافيين لها لعام 1977، وكان يتكون هذا القانون من تسعة مواد مقسمة على بابين، والباب الأول معنون “الانتهاكات الجسيمة”، أورد في الفقرة الأولى من المادة الأولى إشارة إلى أن هذا القانون تم صياغته للعقاب على كافة الانتهاكات الجسيمة الواردة بالاتفاقيات والبروتوكولين، ثم عددت الفقرة الثانية من ذات المادة عشرين فقرة أوردت بها جميع هذه الانتهاكات والمبينة بالملحق الثاني من هذه الدراسة، وفي المادة الثانية والثالثة وردت العقوبات، وجاءت المادة الرابعة توضح مدى مسؤولية القادة وأوامر القادة والرؤساء والاشتراك والشروع، وجاءت المادة الخامسة تحظر ارتكاب أية جرائم حرب إعمالاً لأية ضرورات سياسية أو عسكرية أو وطنية، حتى ولو كانت في إطار أعمال انتقامية، وفي فقرتها الثانية صاغت الأحكام الخاصة بعدم إمكانية تذرع المتهم بتنفيذ أوامر القادة أو الرؤساء للتهرب من المسؤولية. ثم أوردت في المادة السادسة حكماً بانطباق جميع الأحكام العامة والخاصة من قانون العقوبات على هذا القانون.

وفي الباب الثاني المعنون “الاختصاص والإجراءات وتنفيذ الأحكام” أوردت في المادة السابعة مبدأ الاختصاص الجنائي العالمي باختصاص المحاكم البلجيكية بالعقاب على الانتهاكات الواردة بالمادة الأولى بغض النظر عن محل ارتكاب الجريمة. ثم أوردت المادة الثامنة مبدأ عدم سقوط الجرائم الواردة بالمادة الأولى بالتقادم.

فيما يتعلق بالمادة التاسعة فقد تم تخصيصها للمحاكم المختصة، فنصت في الفقرة الأولى على اختصاص القضاء العسكري إذا ما كانت بلجيكا في حالة حرب، وفي الفقرة الثانية قررت أنه إذا ما كان هناك ارتباط بين أحد جرائم القانون العام وإحدى جرائم الانتهاكات الجسيمة في زمن نزاع مسلح ينعقد الاختصاص أيضاً بنظر الجريمتين للقضاء العسكري. كما استبعدت في الفقرة الأخيرة من هذه المادة صراحةً اللجوء إلى اللوائح التأديبية العسكرية الواردة في القوانين العسكرية بشأن هذه الجرائم.

ب-القانون اليمني:

وفي عام 1997 تم تعديل القانون رقم 21 بشأن جرائم العقوبات العسكرية بإدراج فصل جديد بعنوان “الفصل الثالث الخاص بجرائم الحرب”، وهو من المواد 20 إلى 23. جاءت المادة 20 من هذا القانون تعاقب بالحبس كل من أقدم على سلب أسير أو ميت أو مريض أو جريح. ثم جاءت المادة 21 وأعقبت بالحبس مدة لا تزيد على عشر سنوات أو بجزاء يتناسب مع نتائج الجريمة كل من ارتكب في أثناء نزاع مسلح أفعال تلحق ضرراً بالأشخاص والممتلكات المحمية بمقتضى الاتفاقيات الدولية التي تكون الجمهورية اليمنية طرفاً فيها.

وبعد هذه الإحالة العامة عددت هذه المادة على وجه الخصوص بعض جرائم الحرب ومنها: قتل الأسرى أو المدنيين، تعذيب الأسرى أو إساءة معاملتهم أو تعمد إحداث آلام شديدة بهم أو إخضاعهم لأي تجارب علمية، تعمد إلحاق الأضرار الخطيرة بالسلامة البدنية والعقلية والصحية للأسرى من العسكريين والمدنيين أو إرغامهم على الخدمة في القوات المسلحة، احتجاز الأشخاص المدنيين بصورة غير مشروعة أو أخذهم كرهائن أو التمترس بهم أثناء العمليات الحربية، الاستخدام الغادر للشارة المميزة للهلال الأحمر اليمني أو أي شارات أخرى دولية للحماية وفقاً للاتفاقيات الدولية، الهجوم على السكان المدنيين والأشخاص العاجزين عن القتال ونهب وسلب الممتلكات مع الحكم بإعادتها أو الضمان مع التلف، الهجوم على المنشآت المدنية العامة والخاصة، الهجوم على المناطق منزوعة السلاح مع عدم وجود مبرر لذلك.

وجاءت المادة 22 تقضي بعدم سقوط الدعوى في الجرائم المنصوص عليها في هذا الفصل بالتقادم.

وجاءت المادة 23 لتقرر عدم إعفاء القائد والأدنى منه رتبة من المسؤولية عن هذه الجرائم إلا إذا ارتكبت دون اختيارهم أو علمهم أو تعذر عليهم دفعها.

ج-القانون الأردني:

بتاريخ 16/6/2002 صدر قانون العقوبات العسكري المؤقت رقم 30 لسنة 2002 في المملكة الأردنية الهاشمية، وهذا القانون على الرغم من أنه صادر في عام 2002 إلا أنه لم يأخذ ضمن أحكامه بالأحكام التي وردت باتفاقيات روما، على الرغم من تصديق المملكة الأردنية على نظام روما. لعل يرجع ذلك أن هذا القانون قد تم إعداد مشروعه منذ سنوات وأحيل إلى السلطات المختصة لإصداره، وتزامن صدوره مع التصديق على نظام روما. ولكن تجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن هناك لجنة مشكلة بوزارة العدل الأردنية الآن تعكف على صياغة التعديلات التشريعية اللازمة للمواءمة مع نظام روما.

وأياً ما كان فقانون العقوبات العسكري الجديد هذا يتكون من 61 مادة يعنينا منها المادة 41 التي عددت جرائم الحرب وحصرتها في 20 فعل على غرار المشرع البلجيكي في الفقرة الأولى منها، ثم جاءت في الفقرة الثانية من ذات المادة وصاغت عقوبات على هذه الجرائم تتراوح من السجن حتى الإعدام.

وفي المادة 42 ورد النص صراحةً على عقاب المحرض والمتدخل في جرائم الحرب بعقوبة الفاعل ذاته، ونصت المادة 43 على عدم سقوط هذه الجرائم بالتقادم. ثم أوردت في المادة 44 حكماً هاماً بانطباق أحكام هذا القانون على أي مدني يرتكب إحدى جرائم الحرب الواردة فيه.

انتهاكات القانون الدولي الإنساني

2-مرحلة ما بعد اعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية:

بعد اعتماد النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية عملت الدول المصدقة على هذا النظام على إدخال تعديلات على تشريعاتها الوطنية بغية توفير البنية التشريعية الملائمة لتوفير الاختصاص لقضائها الوطني إعمالاً لمبدأ التكامل.

وقد اختلف موقف الدول من هذا التعديل إما بتعديل التشريع القائم أو بسن تشريع خاص للمعاقبة على الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.

أولاً: مثال الدول التي عدلت التشريعات القائمة:

1-بلجيكا: أدخلت بلجيكا تعديلات على الأحكام الخاصة بالقانون الصادر عام 1993 والسالف الإشارة إليه، وكان ذلك في عام 1999، بإضافة جريمة إبادة الجنس البشري كفقرة أولى في المادة الأولى وإضافة الجرائم ضد الإنسانية كفقرة ثانية من ذات المادة بحيث أصبحت جرائم الحرب هي الفقرة الثالثة من تلك المادة. وأوردت فقرة ثالثة في المادة          الخامسة تقضي بعدم الاعتداد بالحصانات الرسمية في تطبيق أحكام هذا القانون.

2-فرنسا: هناك مشروع متكامل لتعديل قانون العقوبات العام والإجراءات الجنائية جاري استكمال إجراءات صدوره.

ثانياً: الدول التي سنت تشريع خاص للمعاقبة على الجرائم الداخلة في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية:

1-ألمانيا: كان المشرع الألماني قبل التصديق على نظام روما الأساسي يأخذ بمبدأ ازدواجية التجريم بحيث كان يعاقب على جرائم الحرب إعمالاً لنصوص قانون العقوبات النافذ، إلا أنه بعد التصديق صدر قانون جديد عام 2002 بعنوان “قانون العقوبات الدولي”، ضمن هذا القانون كافة الجرائم الواردة في نظام روما وأحكام الاشتراك والتحريض والمساعدة ومسؤولية القادة وعدم سقوط هذه الجرائم بمضي المدة.

2-كندا: كان المشرع الكندي يعتمد مبدأ الإحالة العامة بمعنى وجود نص يحيل إلى اتفاقيات جنيف ولحقيها الإضافيين ضمن الفصل الثالث من قانون العقوبات الكندي. ولما
صدقت كندا على النظام الأساسي أصدرت كندا  قانون خاص عام 2000 بالجرائم التي تدخل في اختصاص المحكمة والتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، يسمى قانون الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب.

3- إنجلترا: القانون الإنجليزي سلك ذات المسلك باعتماد قانون خاص بعنوان “قانون المحكمة الجنائية الدولية” لعام 2001.

والملاحظ على القانونين الكندي والإنجليزي وأيضاً العديد من التشريعات التي صدرت بعد التصديق على نظام روما أنها نقلت المواد 6، 7، 8 من النظام الأساسي بذات العبارات لتأثيم جريمة إبادة الجنس البشري والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب في تشريعاتها الوطنية. وهذا الحرص على الأخذ بذات التعريفات يعكس رغبة هذه الدول في استكمال البنية التشريعية التي تحقق أولوية انعقاد الاختصاص بالقضاء الوطني.

ولا شك أن ظهور النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية إلى حيز الوجود كان دافعاً لعديد من الدول التي صدقت على النظام الأساسي أن تدمج هذه الجرائم ضمن تشريعاتها الوطنية، كما أن الدول التي لم تصدق بعد بدأت تتدارس مسألة تهيئة البنية التشريعية اللازمة للتصديق على هذا النظام.

وختاماً فكما بدأت كلمتي بالشكر إلى القائمين على الجمعية المصرية للقانون الجنائي على تخصيص مؤتمرها السنوي لدراسة هذا الموضوع الهام، أختتمها بالإشارة إلى أن هذه خطوة هامة لبداية الطريق نحو مواءمة التشريعات المصرية مع أحكام القانون الدولي الإنساني، ودعوة إلى البدء نحو التطبيق الأمثل لقواعده، وندعو الله عز وجل أن تكون هذه البداية موفقة بمشيئته وحده الذي هو الأول بلا بداية وهو وحده الآخر بلا نهاية، وما عداه كل له بداية ونهاية.

Menu