تجد اللجنة الدولية للصليب الأحمر الأساس القانوني لعملها في العديد من المصادر يأتي على رأسها الاتفاقيات  الدولية والعرف الدولي فضلاً عن الأنظمة الأساسية والقرارات المتعلقة بتنظيم العمل والاتفاقيات التي تكون اللجنة الدولية طرفاً فيها.

الأساس القانوني لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر

أولاً: الاتفاقيات  الدولية:

تعد اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكولان الإضافيان لعام 1977 الأساس القانوني الذي تستند إليه اللجنة الدولية في مباشرة عملها . حيث منحت هذه الاتفاقيات  للجنة الدولية العديد من الوظائف كما منحتها حق القيام بأي مبادرات إنسانية تتجاوز تلك الوظائف على النحو الذي سنتناوله في الفصل الثاني من الباب الأول عند الحديث عن دور اللجنة الدولية  للصليب الأحمر في النزاعات المسلحة حيث نستعرض وظائف اللجنة الدولية للصليب الأحمر والأسـاس القانـوني لكل منها.

وتعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على مساعدة الدول وكافة الأشخاص المعنيين على الانضمام إلى هذه الاتفاقيات  وإلى تفهم واحترام دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر وذلك عن طريق العمل الدائم على الترويج للانضمام إلى هذه الاتفاقيات  ومساعدة الدول على تطبيق أحكامها على الصعيد الوطني على النحو الذي سنتناوله بالتفصيل في الباب الثاني.

ثانياً: العرف الدولي:

فالعرف يشكل من جانب آخر أساساً قانونياً لقيام اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالعديد من الأعمال التي يتوافر لها عنصراً القاعدة العرفية من ممارسة منتظمة ينظر إليها الممارس باعتبارها التزاماً قانونياً.

والعرف هو مجموعة الوقائع والتصرفات التي تُكوّن وتُنشئ القاعدة العرفية. والعرف بهذا المعنى هو مجموعة التصرفات التي تواتر عليها الاستعمال بحيث يستخلص منها قاعدة قانونية غير مكتوبة. ومعظم أحكام القانون الدولي ذات الصفة العامة قد استُنبطت من العرف وثبتت عمومتها عن طريقه قبل أن يتم تدوينها في معاهدات دولية. وعلى ذلك فيمكن تعريف العرف الدولي بأنه مجموعة أحكام قانونية عامة غير مدونة تنشأ نتيجة اتباع الدول لها في علاقة معينة. فيثبت الاعتقاد لدى غالبية الدول المتحضرة بقوتها القانونية وإنها اصبحت مقبولة من المجتمع الدولي.

تقوم اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالعديد من الأعمال في مجال حماية ضحايا النزاعات المسلحة تتجاوز ما هو منصوص عليه في الاتفاقيات  وبصفة خاصة كل الأعمال المتعلقة بالخطوات العملية اللازمة لتشغيل الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين، لزيارة أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين والقيام بأعمال الغوث، ولا شك في أن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تقوم بالعديد من هذه الأعمال إن لم يكن جميعها بطريقة متواترة تتكرر في جميع النزاعات التي تعمل بها، وفي الكثير من الأحيان عندما تسمح الدول للجنة الدولية للصليب الأحمر بالقيام بهذه الأعمال فإن ذلك لا يعد من باب المجاملة وإنما باعتبارها أعرافاً ملزمة تشكل التزامات قانونية ملقاة على عاتقها.

وقد كشفت الدراسة التي قامت بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول القواعد العرفية للقانون الدولي الإنساني والتي سنتناولها بالتفصيل في المبحث الثاني من الفصل الأول عن هذا الأساس القانوني العرفي للعديد من الأعمال التي تقوم بها اللجنة.

ونذكر على سبيل المثال أن البروتوكولين الإضافيين الأول والثاني يشترطان موافقة الأطراف المعنية على أعمال الغوث، غير أن معظم الممارسات التي جمعت لا تشير إلى هذا الشرط. لكن من الواضح تماما أن المنظمات الإنسانية لا تستطيع العمل بدون موافقة الأطراف المعنية. إنما يجب ألا يرفض إعطاء هذه الموافقة لأسباب تعسفية. و إذا تبين أن المجاعة تهدد السكان المدنيين و أن منظمة إنسانية تقدم الغوث على أساس عدم التحيز وعدم المحاباة قادرة على معالجة الوضع، عندئذ يكون الطرف ملزماً بإعطاء الموافقة. ورغم وجوب عدم رفض الموافقة لأسباب تعسفية، تقر الممارسة أنه يمكن للطرف المعني أن يشرف على أعمال الغوث.  كما يجب على العاملين في الغوث الإنساني أن يحترموا القانون المحلي بشأن الدخول إلى إقليم ما ومتطلبات الأمن المعمول بها.

ثالثاً: قانون الحركة الدولية للصليب والهلال الأحمر:

تُشكل القرارات والتوصيات الصادرة عن أجهزة الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر أساساً قانونياً لبعض أعمال اللجنة الدولية وبصفة خاصة في مجال نشر أحكام القانون الدولي الإنساني وقد تناولنا في الفصل السابق الدور الكبير الذي قامت به المؤتمرات الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر في توسيع اختصاصات اللجنة الدولية حتى وصلت إلى الوضع الحالي الذي جرى تقنينه بموجب اتفاقيات جنيف لعام 1949 ثم البروتوكولين الإضافيين لعام 1977.

ويقوم النظام الأساسي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر بدور كبير في بيان اختصاصات كل مكون من مكونات الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر على النحو الذي تناولناه عند الحديث عن علاقة اللجنة الدولية بغيرها من مكونات الحركة، ولعل من أهم ما أتى به هذا النظام هو المبادئ الأساسية للصليب الأحمر والهلال الأحمر والتي تحكم كافة أعمال مكونات الحركة، فقد نص النظام الأساسي في ديباجته على سبعة مبادئ أساسية لا تعد من قبيل التوصيات بل هي مبادئ ملزمة لمكونات الحركة، فهي تشكل أهداف، وآداب، ومعنى الحركة الدولية وطبيعتها الخاصة. وقد أوضح النظام الأساسي للحركة الدولية هذه الطبيعة الإلزامية عندما نص على أن الالتزام بهذه المبادئ هو أحد شروط الاعتراف بأي جمعية وطنية للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، وأنه على الدول الأطراف في اتفاقيات جنيف أن تحترم في جميع الأوقات التزام مكونات الحركة الدولية بهذه المبادئ، كما نص على أنه على المشاركين في المؤتمرات الدولية للحركة أن يحترموا هذه المبادئ الأساسية.

وقد اكتسبت المبادئ الأساسية للحركة الدولية للصليب الأحمر صفة العالمية في بيان ما يجب أن تكون عليه المساعدة الإنسانية إلى الحد الذي دفع محكمة العدل الدولية إلى الاستناد – في أسباب حكمها في قضية الأنشطة العسكرية وشبه العسكرية ضد نيكارجوا عام 1986 – إلى قرارات المؤتمر الدولي العشرين للصليب الأحمر لتفسير مفهوم المساعدة الإنسانية، وبيان أنه ينبغي أن تقدم هذه المساعدة دون تمييز على أساس الجنسية، أو العرق، أو المعتقدات الدينية، أو الطبقة الاجتماعية، أو الآراء السياسية.

وهذه المبادئ – كما وردت في ديباجة النظام الأساسي للحركة – هي الإنسانية، وعدم التحيز، والحياد، والاستقلال، والخدمة الطوعية، والوحدة، وأخيرا العالمية، وقد بينت الديباجة المقصود بكل مبدأ من هذه المبادئ:

الصليب والهلال الأحمر

1- الإنسانية

تعني الإنسانية أن الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر، التي انبثقت من الرغبة في إغاثة الجرحى في ميدان القتال دون تمييز، تسعى، بصفتها الدولية والوطنية، إلى تدارك وتخفيف معاناة البشر في كل الأحوال. وهي تعمل على حماية الحياة والصحة وضمان احترام الإنسان. وهي تشجع على التفاهم والصداقة والتعاون وتحقيق سلم دائم فيما بين جميع الشعوب.

لا شك أن مبدأ الإنسانية وفقاً لهذا المفهوم هو السبب الرئيسي وراء ظهور الحركة الدولية للصليب الأحمر التي وُجدت لإيجاد وسائل لتخفيف معاناة البشر، وتدارك هذه المعاناة كلما أمكن ذلك عن طريق الاستعداد الدائم لتقديم الخدمات للفئات المستهدفة من الحركة الدولية قبل الوصول إلى مرحلة المعاناة، ومن قبيل التدارك أيضاً تطوير أحكام القانون الدولي الإنساني والذي يعد المحور الرئيسي لهذه الدراسة. وكذلك تعمل اللجنة الدولية من خلال العديد من أنشطة المساعدة والحماية على  تحقيق المفهوم الثاني لمبدأ الإنسانية والخاص بحماية الحياة والصحة وضمان احترام الإنسان.

2- عدم التحيز

ويقصد بعدم التحيز – كما جاء في ديباجة النظام الأساسي للحركة – ألا تمارس الحركة أي تمييز على أساس الجنسية أو العرق أو الدين أو الوضع الاجتماعي أو الانتماء السياسي، وهي تسعى إلى تخفيف معاناة الأفراد فحسب بقدر معاناتهم، وإلى إعطاء الأولوية لعون أشد حالات الكرب إلحاحاً.

وتحرص اتفاقيات جنيف لعام 1949 وبروتوكولاها الإضافيان لعام 1977 على تكريس مبدأ عدم التحيز، فتنص المادة 12 من اتفاقية حنيف الأولى على أنه يجب في جميع الأحوال احترام وحماية الجرحى والمرضى من أفراد القوات المسلحة  “وعلى طرفي النزاع الذي يكونون تحت سلطته أن يعاملهم معاملة إنسانية وأن يعنى بهم دون أي تمييز ضار على أساس الجنس أو العنصر أو الجنسية أو الدين أو الآراء السياسية أو أي معايير مماثلة أخرى.”

وتنص المادة 16 من اتفاقية جنيف الثالثة على أنه “مع مراعاة أحكام هذه الاتفاقية فيما يتعلق برتب الأسرى وجنسهم، ورهناً بأية معاملة مميزة يمكن أن تمنح لهم بسبب حالتهم الصحية أو أعمارهم أو مؤهلاتهم المهنية، يتعين على الدولة الحاجزة أن تعاملهم جميعاً على قدم المساواة، دون أي تمييز ضار على أساس العنصر، أو الجنسية، أو الدين، أو الآراء السياسية، أو أي معايير مماثلة أخرى”، وكذلك تنص المادة 27 من اتفاقية جنيف الرابعة على أنه ” مع مراعاة الأحكام المتعلقة بالحالة الصحية والسن والجنس، يعامل جميع الأشخاص المحميين بواسطة طرفي النزاع الذي يخضعون لسلطته، بنفس الاعتبار دون أي تمييز ضار على أساس العنصر أو الدين أو الآراء السياسية.”

وأخيراً جاءت المادة 75 من البروتوكول الإضافي الأول التي تتناول الضمانات الأساسية التي لابد وأن يتمتع بها كافة الأشخاص اللذين في قبضة أي طرف من أطراف النزاع لتنص على أنه “يتمتع هؤلاء الأشخاص كحد أدنى بالحماية التي تكفلها لهم هذه المادة دون أي تمييز مجحف يقوم على أساس العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو العقيدة أو الآراء السياسية أو غيرها من الآراء أو الانتماء القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو المولد أو أي وضع آخر أو على أساس أية معايير أخرى مماثلة”.

3- الحياد

يقصد بالحياد الامتناع عن الاشتراك في الأعمال العدائية وعن التورط، في أي وقت، في المجادلات ذات الطابع السياسي أو العرقي أو الديني أو المذهبي.

وتصف اتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1997 اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالمنظمة “المحايدة” إذ تنص هذا الاتفاقيات  في العديد من المواضع على إسناد أعمال معينة إلى “منظمة إنسانية محايدة كاللجنة الدولية للصليب الأحمر” وكذلك يشير النظام الأساسي للحركة إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر باعتبارها “مؤسسة محايدة”.

ويرى البعض أن وجود الحركة الدولية للصليب الأحمر يتوقف على الالتزام بمبدأ الحياد، وأنه يتعين عليها دائما أن تتوخى الحذر الشديد في هذا الأمر الذي يعلو على أي اعتبار سياسي سواء على المستوى المحلي أو الدولي.

4- الاستقلال

كما جاء في ديباجة النظام الأساسي للحركة الدولية يعني الاستقلال أنه يجب على الجمعيات الوطنية، مع كونها هيئات معاونة للسلطات العامة في خدمتها الإنسانية وخاضعة لقوانين بلدانها، أن تحافظ دائماً على استقلالها الذي يمكنها من العمل في جميع الأوقات وفقاً لمبادئ الحركة.

ويعد الاستقلال هو الضامن للحياد، فلا يمكن تصور قيام جمعية وطنية ما بتقديم الخدمات الإنسانية بحياد إذا لم تكن تتمتع باستقلالية القرار.

 5-الخدمة الطوعية

لا تتقاضى مكونات الحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر أجراً من الضحايا نظير استفادتهم من الخدمات التي تقدمها، إذ يقدم عشرات الآلاف من المتطوعين بالجمعيات الوطنية المنتشرة حول العالم خدماتهم للضحايا دون تقاضي أجر من هؤلاء الضحايا أو من الجمعيات الوطنية.

إلا أن عدم تقاضي أجر من الضحايا لا يعني أن كافة العاملين بمكونات الحركة من المتطوعين اللذين يتطوعون بجزء من وقتهم لخدمة الضحايا دون تقاضي راتب، فهناك موظفون من ذوي الخبرات والمهارات التي تكون مكونات الحركة في حاجة إلى خدماتهم بصفة دائمة، ومثل هؤلاء الموظفين يتقاضوا راتباً من مكونات الحركة التي يقضمون خدماتهم لها، فهم موظفون دائمون وليسوا متطوعين.

6- الوحدة

يقصد بمبدأ الوحدة أنه لا يمكن أن توجد في أي بلد سوى جمعية واحدة للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر، ويجب أن تكون عضوية الجمعية مفتوحة للجميع وأن يمتد عملها الإنساني إلى جميع أراضي البلد.

وتقف أسباب عملية وراء ضرورة وجود جمعية وطنية واحدة داخل كل بلد وهو أمر جوهري لضمان فاعلية العمل، فوجود أكثر من جمعية داخل كل دولة وكل منهم تتبع ذات المبادئ وتعلن عن نفسها باعتبارها تقوم بذات المهام باستقلالية هو أمر من شأنه أن يسود تضارب وتداخل في الاختصاصات من شأنه في النهاية إعاقة العمل.

وضرورة كون عضوية الجمعية الوطنية مفتوحة للجميع دون تمييز على أي أساس هو نتيجة منطقية لمبدأي “الإنسانية” و”عدم التمييز” السابق ذكرهما، ومن جهة أخرى تعد ضرورة امتداد العمل الإنساني للجمعية الوطنية لكافة أراضي الدولة هو نتيجة منطقية لمبدأ الوحدة.

7 – العالمية

يقصد مبدأ العالمية وفقاً لديباجة النظام الأساسي للحركة الدولية للصليب الأحمر والهلال الأحمر أن كل الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر تتمتع بحقوق متساوية ويقع عليها واجب التعاضد على مستوى العالم.

فعلى الرغم من تمتع الجمعيات الوطنية بالاستقلال التام عن بعضها البعض وعلى الرغم من تمتعها كذلك بحقوق متساوية، فإن هذه الجمعيات المنتشرة على مستوى العالم ونظرا لوحدة الهدف قد خلقت فيما بينها روابط قوية نتيجة للإيمان بأن مساعدة بعضهم البعض أمر لا غنى عنه إذ أن التعاون وليس العزلة هو الأمر المطلوب من أجل تحقيق الأهداف المشتركة.

رابعاً: الاتفاقيات  التي تكون اللجنة الدولية طرفاً فيها:

اللجنة الدولية للصليب الأحمر شأنها شأن أي شخص اعتباري يمكن أن تكون طرفاً في اتفاقية تبرم مع غيرها من الكيانات، ولا شك أن مثل هذه الاتفاقيات  تعد أحياناً  – على حسب مضمون الاتفاقية – هي الأساس القانوني لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر كما هو الحال مثلاً في الاتفاقيات  التي تبرم لزيارة المحتجزين الأمنيين في الدول التي لا تعاني من نزاعات مسلحة. ومثال ذلك الاتفاقية المبرمة مع الحكومة الجزائرية والحكومة التونسية.

Menu