بادئ ذي بدء فإن أول ما يعني ضحايا الجريمة هو القصاص من الجاني. وهي الوظيفة التي تطلع بها المنظومة العقابية في أي دولة من خلال تجريم الأفعال الماسة  بالسلامة البدنية أو الشخصية أو الاعتداء على الأموال. الأمر الذي يرتب أن تنهض النيابة العامة كممثل للمجتمع إلى تحريك ومباشرة الدعوى الجنائية أمام القضاء وصولا إلى حكم يمثل القصاص الذي يحول دون قيام الشخص للجوء إلى أعمال الثأر أو الانتقام للقصاص من الجاني.

والعدالة الجنائية هي من ثوابت كل المجتمعات ولذلك لن نطيل الحديث وإنما سنتعرض لنقاط أخرى تبلور الدور الذي من الممكن أن يقوم به ضحايا الجريمة في هذا الإطار. وهو الامر الذي ورد ضمن التشريعات الوطنية وهو ما نتحدث عنه في البند أولاً، وكذلك في المواثيق الدولية التي سنعرض لها في البند ثانياً.

الحقوق المقررة لضحايا الجريمة

أولاً ـ الضمانات الإجرائية لضحايا الجريمة في التشريع الوطني

1- حق المضرور من الجريمة في الدخول في الدعوى الجنائية

“لمن لحقه ضرر من الجريمة أن يقيم نفسه مدعياً بحقوق مدنية أمام المحكمة المنظور أمامها الدعوى الجنائية” وهذا المبدأ مستقر في كافة التشريعات الاجرائية في دول مجلس التعاون الخليجي، ويعني هذا أن الضرر هو سبب الدعوى المدنية وعلى ذلك فلا أساس للدعوى المدنية إذا لم تكن الجريمة قد سببت ضرراً لشخص وسواء كان الضرر ماديا أو معنويا ولا بد أن يكون هذا الضرر ناشئاً عن جريمة.

الحق في الادعاء المباشر:

إذا كانت النيابة العامة هي التي لها حق الانفراد بسلطة تحريك الدعوى الجنائية الناشئة عن كل جريمة إلا أن المشرع رأى في بعض الحالات غل يد النيابة لأسباب معينة عن هذا التحريك، وبالتالي فإنه يحق للمدعى بالحق المدني أن يقيم الدعوى بتكليف المتهم مباشرة بالحضور أمام المحكمة الجنائية.

استثناء الجنايات من الادعاء المباشر:

حق المضرور من الجريمة في الادعاء المباشر ليس حقا عامل بالنسبة لكافة الجرائم إنما هناك استثناء على ذلك يتمثل في عدم إمكانية إقامته بالنسبة للجنايات وقد يكون الشارع محقا في ذلك نظراً لضرورة إجراء تحقيق وصدور قرار بالإحالة بعد أن يتحقق القاضي من جدية الاتهام نظراً لجسامة الجنايات.

2-حق المضرور من الجريمة في رفع الدعوى المدنية بالتبعية للدعوى الجنائية:

تضمنت معظم الاحكام الواردة بقوانين الإجراءات الجنائية لدول مجلس التعاون الخليجي على حق المضرور من الجريمة في إقامة الدعوى المدنية بالتبعية للدعوة العمومية للمطالبة بتعويض عن الضرر الواقع عليه من جراء الجريمة المرتكبة وهذه الطريقة تكفل للمدعى المدني سبيلاً ميسوراً حيث تتوحد وسائل إثبات الدعوتين وأدلة كل منها ويستفيد كذلك من السلطات الواسعة الممنوحة للقضاء الجنائي في هذا الشأن والمتمثلة في البحث عن الأدلة وتفنيدها ومحاولة إثبات وقوع الفعل ونسبته إلى المتهم وكلها سلطات منحت للقضاء الجنائي مما يجعل أمر حسمها أكثر سرعة ويجنبه مشقة تتبع دعوتين أمام محكمتين مختلفتين.

3-حق المضرور من الجريمة في الدخول في إجراءات المحاكمة:

حق ضحايا الجريمة في حضور التحقيق الابتدائي والمحاكمة النهائية:

تنص قوانين الإجراءات الجنائية على حق الخصوم في حضور التحقيق الابتدائي وإن لم يرد نص مشابه بالنسبة لإجراءات المحاكمة فإن ذلك لا يمنع من حقهم في الحضور حيث أن النص ورد فيما يجب فيه السرية وهي إجراءات التحقيق الابتدائي وإجراءات المحاكمة علنية فمن باب أولى فللخصوم جميعا حق الحضور ومنهم ضحايا الجريمة الذين أضيروا منها، سواء كانوا مجنياً عليهم أو مضرورين

المجني عليه كطرف في الصلح:

الصلح طريقة لإنهاء الدعوى الجنائية وعدم استكمال السير فيها وهو يمثل مصلحة للدولة وللمتهم لحسم النزاع بصورة أبسط وأسرع.

والعلة في إقرار الصلح الجنائي تكمن في تبسيط الإجراءات في بعض الجرائم والذي بموجبه يتنازل المجتمع عن سلطته في العقاب وقد وصفت محكمة النقض المصرية الصلح بأنه “بمثابة نزول من الهيئة الاجتماعية عن حقها في الدعوى الجنائية مقابل الجعل الذي قام عليه الصلح”.

4-التعويض عن أضرار الجريمة

المسئول عن التعويض

تقوم الدولة في التشريعات الوطنية نيابة عن المجتمع بملاحقة الجاني من خلال الدعوى العامة التي تباشرها باسمه بواسطة جهازها القضائي لإزالة الاضطراب الذي أحدثته الجريمة بالمجتمع، والتعويض الذي للمجني عليه هنا يكون بقدر الضرر الذي أصابه وهذا هو أساس إعطاء المجني عليه حق الادعاء المدني أمام القضاء الجنائي.

وبالتالي فالالتزام بالتعويض التزام شخصي يقع على عاتق فاعل الضرر فلا يجوز رفع الدعوى المدنية على المسؤولين غير المباشرين عن الحقوق المدنية عن فعل المتهم للحصول على التعويض إلا إذا كانت مرفوعة ابتداء على المتهم.

ثانياً ـ ضحايا الجريمة في التشريع والفقه الدولي

تحركت الأمم المتحدة في هذا الاتجاه لوضع مبادئ لحماية المجني عليهم على غرار ما صارت عليه بالنسبة للمتهمين والشهود حتى صدر بالفعل إعلان مبادئ حقوق الضحايا الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 34\4 (الخاص بالإعلان العالمي بشأن المبادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة 1973) وهذا الإعلان هو الصك الدولي الوحيد الذي يعطي للدول توجيهات فيما يتعلق بحماية هؤلاء الضحايا وإنصافهم وهو ليس بمعاهدة ترتب التزامات على أطرافها.

ويقصد بضحايا الجريمة في هذا الإعلان “الأشخاص الذين أصيبوا بضرر فردي كان أو جماعي بما في ذلك الضرر البدني أو العقلي أو المعاناة النفسية أو الخسارة الاقتصادية أو الحرمان بدرجة كبيرة من التمتع بحقوقهم الأساسية عن طريق أفعال أو حالات إهمال تشكل انتهاكا للقوانين الجنائية نافذة المفعول في الدول الأعضاء بما فيها القوانين التي تحرم الإساءة الجنائية لاستعمال السلطة”.

وهذا التعريف ينطبق على كافة الضحايا دون تمييز بسبب الجنس أو المله أو الدين أو الرأي أو العقيدة، وسواء كان شخصا طبيعيا أو معنويا والشخص المعنوي قد يكون خاصا أو شخصا معنويا عاما وقد يتمثل الضرر في إيذاء بدني أو خسارة مادية كما في جرائم الإتلاف.

وكل من أصابه الضرر يعد ضحية بصرف النظر عن حجم الضرر أو معرفة الجاني وسواء ضبط أم لا كذلك يعد من يعولهم من الضحايا أيضا طالما أصيبوا بضرر سواء مباشر أو غير مباشر من جراء الجريمة التي ارتكبت.

وهؤلاء الضحايا طبقا للمواثيق الدولية والإعلان المشار إليه يجب معاملتهم بما يحفظ كرامتهم وتوفير المساعدة القانونية اللازمة لهم حتى ينالوا التعويض الكافي عما أصابهم من ضرر مع أن التعويض قد لا يكون كافيا لأنه يجب السعي لإعادة الحال إلى ما كان عليه قبل أن يصبح الضحية في وضع أكثر سوءا أو على الأقل الوصول به لوضع مقارب لما كان عليه الحال قبل الجريمة مع مساعداتهم إنسانيا وطبيا واجتماعيا من قبل الدولة التابعة لهم كلما أمكن ذلك مع السعي لإنشاء صناديق لتعويض هؤلاء الضحايا في حالة عدم إمكان الحصول على هذا التعويض من قبل المتهمين.

وهناك أيضا ما ورد في المادة 5 فقرة 2 من الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية 1966 “لا يجوز تقييد حقوق الإنسان الأساسية المقررة أو القائمة في أية دولة طرف من الاتفاقية الحالية استنادا إلى القانون أو الاتفاقيات أو اللوائح أو العرف أو التحلل منها بحجة عد إقرار الاتفاقية الحالية بهذه الحقوق أو إقرارها بدرجة أقل”.

ومما سبق يتضح أن ضحايا الجريمة في المجال الدولي نوعان:

  • ضحايا الجريمة من المجني عليهم وأسرهم
  • ضحايا الجريمة من إساءة استعمال السلطة وغالبهم من المتهمين الذين تمس حقوقهم الأساسية

والمستقرئ للمواثيق الدولية المتعلقة بحماية أطراف الدعوى الجنائية يجد أن أضعف حماية مكفولة من قبل تلك الوثائق هي تلك المكفولة لضحايا الجريمة مقارنة بمستويات الحماية المكفولة لباقي أطراف الدعوى الجنائية.

وإعلان الأمم المتحدة بشأن المبادئ الأساسية لتوفير العدالة لضحايا الجريمة وإساءة استعمال السلطة هو الصك الدولي الوحيد الذي يقدم توجيهات للدول الأعضاء فيما يتعلق بحماية ضحايا الجريمة وهو إعلان وليس معاهدة وبالتالي لا يشكل التزامات قانونية على الدول الأعضاء، مثل باقي المعاهدات الملزمة في القانون الدولي الإنساني.

أما المتتبع لأحكام المعاهدات التي تنشأ التزامات قانونية بالنسبة لضحايا الجريمة يجد أن هناك عددا قليلا من تلك الأحكام.

فالمادة التاسعة فقرة 5 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية تنص على حق واجب النفاذ لكل من ضحايا التوقيف أو الاعتقال غير القانوني في الحصول على تعويض، والمادة (14 فقرة 1) تنص على حق من حكم عليه بعقوبات على أساس خطأ قانوني أن يحصل على تعويض عن هذا الحكم.

Menu