إن مصطلح ضحايا الجريمة درج على استعماله في المواثيق والمحافل الدولية أكثر منه في التشريعات الوطنية بينما ظل مصطلح المجني عليه أو المضرور من الجريمة من المصطلحات المتعارف عليها في التشريعات الوطنية وهذا هو ما انتهجه التشريع والفقه في دول مجلس التعاون الخليجي.

والمستقرئ لنظام الإجراءات الجزائية السعودي وقوانين الإجراءات الجنائية في كل من الإمارات والكويت وقطر أو في قانون الإجراءات الجزائية العماني يجد بيان الخطوات الإجرائية التي تحصل بمقتضاها الدولة على حقها في العقاب من الجاني.

وهذه  هي السمة مميزة للسياسة الجنائية في النظم التشريعية  في ظل نظام الاتهام العام الذي يسقط من حسابته المجني عليه الذي وقعت الجريمة على حق شخصي له باستثناء حقه في المطالبة بالتعويض أو في الادعاء المباشر.

ضحايا الجريمة

إلا أنه في الخمسين سنة الأخيرة بدأ الاهتمام بالمجني عليه من الجريمة وضرورة ضمان حصوله على التعويض ودراسة دوره في الظاهرة الاجرامية ولكن بمسميات متعددة منها مصطلح الضحايا والمضرور من الجريمة حتى أن الجاني نفسه دخل ضمن ضحايا الجريمة إذا ما اقترفت في حقه أفعال تسئ اليه والى مركزه القانوني في الدعوى الجنائية.

المجني عليه إن مصطلح المجني عليه هو الأكثر شيوعاً واستعمالاً في التشريع والفقه فى دول مجلس التعاون الخليجي ويعني صاحب المصلحة أو الحق الذي تحميه القاعدة القانونية. والمجني عليه لم يكن له ظهور مطلقاً في الجماعات البدائية فهذه الجماعات لم تكن تعرف حقوقاً للفرد مستقلة عن حقوق الجماعة التي ينتمي إليها فالاعتداء الذي يقع على فرد من داخل الجماعة كان يعد انتهاكا لنظامها، وكان الاهتمام بالجاني باعتباره شراً لابد من التخلص منه ،هذا اذا كان الجاني من نفس جماعة المجني عليه اما في الحالة العكسية فلم يكن من السهل على  جماعة الجاني الخلاص منه، ولكن غالباً ما كانت تنشأ بين جماعتين معارك قد تنتهي بالقضاء على احدهما أو تشتيتها.

وبعد أن تخلت معظم الأنظمة الإجرائية عن نظام الاتهام الفردي ولجأت إلى نظام الاتهام العام بدأت الدعوى الجنائية تفقد طابعها الخاص لأن نظام الاتهام العام يفترض توظيف الدعوى الجنائية لحماية المصلحة العامة بمجموعة إجراءات قسرية بدءاً من رفعها ومباشرتها امام القضاء وانتهاء بالفصل فيها بحكم نهائي.

وفي ظل توظيف الدعوى الجنائية لحماية المصلحة العامة سعت السياسة الجنائية الى تنظيم رد فعل إنساني تجاه الجاني للبحث عن حق الدولة في العقاب وجعل العقوبة مناسبة للضرر الناجم عن الجريمة ثم اهتمامها بعد ذلك بضرورة تناسب العقوبة مع الاثم الجنائي وذلك من خلال الاعتداد بالظروف الشخصية للجاني وبالعوامل النفسية الدافعة للسلوك ومن ثم دخل المجني عليه نفسه عنصراً في تقدير العقوبة التي توقع على الجاني.

كما أن السياسة الجنائية الحديثة لم تسقط من حساباتها المجني عليه مثلما كان عليه الأمر في الماضي فأصبح له الحق في المطالبة بالتعويض عن الاضرار التي اصابته من الجريمة وأصبح سلوك المجني عليه يشكل عنصراً هاماً في تقدير التعويض المستحق له عن الاضرار التي وقعت عليه بسبب الجريمة.

المضرور من الجريمة : يبدو من المصطلح ذاته أن المقصود بالمضرور من الجريمة هو من ألحقت به الجريمة ضرراً وأثرت فيه وهناك من الفقهاء من وحد بين المجني عليه والمضرور من الجريمة على اعتبار أن الجريمة أضرت بمركز قانوني سواء للمجني عليه المباشر أي من وقع عليه الفعل الآثم أو من أصابه ضرر من الجريمة سواء مباشر أو غير مباشر.

والرأي الذي فرق بين المجني عليه والمضرور من الجريمة رتب على ذلك نتيجة تتمثل في أن الادعاء المباشر يكون للمضرور من الجريمة فقط بينما المجني عليه لا يكون له حق الادعاء المباشر إذ لم يكن قد أصابه الضرر من الجريمة .

وهناك من جعل المجني عليه هو نفسه المضرور من الجريمة فهو الذي عاني ضرراً بما في ذلك الإصابة البدنية او غير البدنية، وكذلك اسرة هذا المضرور لانهم يعتمدون عليه، فكل مضرور من الجريمة يعد مجنياً عليه فهو الذي كابد وعانى من تصرفات الغير التي اصابت مركزه القانوني وبالتالي فإن هذا الرأي يرى ان المجني عليه مضرور من الجريمة ومع ذلك لا يرى عكسه أي أن كل مضرور لا يعد مجنياً عليه فأنصار هذا الرأي يرون إمكانية وقوع جريمة دون ان تصيب المجني عليه بضرر.

الضحية: درج بعض الفقهاء ولا سيما في المجال الدولي على استخدام لفظ الضحية بدلاً من المجني عليه للدلالة على ضحايا السلوك الإجرامي فضلا عن الذين يصابون بالضرر في عائلهم واقاربهم، فهو تعبير واسع يشمل غالباً المجتمع كمجني عليه عام صاحب المصلحة او الحق في كل الجرائم، والفرد  كمجني عليه  خاص صاحب المصلحة المحمية  في  الجريمة والمضرور الذي قد  يشمل اسرة المجني عليه. كما قد يشمل المتهم نفسه  إذا انتهكت حقوقه الأساسية التي تكفلها  الدساتير والتشريعات مثل حالات الحبس التعسفي أو الاستجواب تحت تأثير التعذيب.

ويبدو مما تقدم أن لفظ الضحية يراد به غالباً المجني عليه والمضرور من الجريمة الامر الذي يطرح من جديد فكرة التسوية بين المجني عليه والمضرور من الجريمة بمعنى أن يكون كل مضرور من الجريمة مجنياً عليه وكل مجني عليه مضرور من الجريمة فكلاهما ضحية وبالتالي عدم التفرقة في مفهوم المجني عليه في الدعوى الجنائية

والمستقرئ للآراء المتعددة في هذا الشأن يلحظ ان لفظ الضحية وهو لفظ متداول في الفقه والتشريع الدولي اكثر من تداوله في التشريعات الوطنية ولم يقصد منه الا المجني عليه والمضرور من الجريمة معا، أي الواقع عليه فعل الاعتداء الذي يشكل الجريمة او من أصابه ضرر من جراء هذا الفعل بمعنى أن كل ضحية هو مجني عليه أو مضرور من جراء الجريمة.

وهناك من يجعل من الجاني ذاته ضحية للجريمة في أحوال معينة إذا ما أصابه ضرر اثناء سير الدعوى الجنائية.  وهذا لا ينفي عنه صفة الجاني فيما ارتكبه من جرم .

وقد عرف الإعلان الصادر عن مؤتمر الأمم المتحدة السابع لمنع الجريمة ومعاملة المجرمين “ميلانو 1985م” الضحايا بانهم ” الأشخاص الذين يصابون فردياً او جماعياً بضرر وعلى الأخص بعدوان على سلامتهم البدنية والعقلية أو بضرر ادبي او بخسارة مادية او بعدوان جسيم على حقوقهم الأساسية من جراء أفعال أو امتناعات تشكل انتهاكا  للقوانين الجنائية النافذة في الدول الأعضاء بما فيها القوانين التي تجرم الإساءة الجنائية لاستعمال السلطة”، ووفقاً لهذا الإعلان يمكن اعتبار شخص ما ضحية سواء تحدد مرتكب الجريمة او لم يتحدد، فمصطلح الضحية هنا أوسع واشمل من المجني عليه فقط أو المضرور فقط.

Menu