bx-arrow-back المقالات

15 مارس، 2022

دور اللجنة الدولية للصليب الأحمر في حماية ومساعدة ضحايا النزاعات المسـلحة الدوليـة

تعالج اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الأول حماية ضحايا النزاعات المسلحة الدولية، وفقاً لنص المادة الثانية المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع. تنطبق هذه الاتفاقيات  في حالات الحرب المعلنة أو أي اشتباك مسلح بين دولتين، وكذلك حالة الاحتلال الكلي أو الجزئي لإقليم إحدى الدول.

وقد أتى نص المادة الثانية السالف الإشارة إليه بحكم جديد لم يكن متوفراً في ظل اتفاقيات القانون الدولي الإنساني السابقة على اتفاقيات جنيف لعام 1949، فبموجب هذا النص تنطبق اتفاقيات جنيف حتى ولو لم يوجد إعلان رسمي بشن الحرب، أو اعتراف بحالة الحرب فيكفي أن يبدأ أي اشتباك مسلح حتى تنطبق أحكام اتفاقيات جنيف، فلا يملك أي طرف متحارب التنصل من التزاماته المترتبة على اتفاقيات جنيف بدعوى عدم إعلان الحرب رسمياً أو عدم اعترافه بحالة الحرب.

 وتقوم اللجنة الدولية في إطار هذه النزاعات بعدة مهام أوكلتها إليها اتفاقيات جنيف الأربع والبروتوكول الإضافي الأول هي: زيارة المحتجزين، وحماية ومساعدة السكان المدنيين والجرحى والمرضى من المقاتلين، وتوزيع إمدادات الإغاثة والمساعدات، وإعادة الروابط العائلية، كذلك قد تلعب اللجنة الدولية دور البديل للدولة الحامية، وأخيراً اعترفت اتفاقيات جنيف بحق اللجنة الدولية في أن تبادر بالقيام بأعمال تتعدى تلك المسندة إليها بموجب اتفاقيات جنيف، شريطة موافقة الأطراف المعنية.

ضحايا النزاعات المسـلحة الدوليـة

المطلب الأول: زيارة المحتجزين

تتمتع اللجنة الدولية، بموجب اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة، بولاية صريحة تمنحها الحق في زيارة الأسرى والمحتجزين المدنيين. وسنتناول في هذا المبحث الأساس القانوني لحق اللجنة الدولية في زيارة المحتجزين، والأشخاص الذين يحق للجنة الدولية زيارتهم، وأولئك الذين لا يستفيدون من هذا الحق، ونعرض في نهاية المبحث الأهداف التي تسعى اللجنة الدولية إلى تحقيقها من هذه الزيارات.

أولاً: الأساس القانوني لحق اللجنة الدولية في زيارة المحتجزين

للجنة الدولية الحق في زيارة نوعين من المحتجزين، هما أسرى الحرب والمحتجزون المدنيون، فقد منحت الفقرتان الأولى والثانية من المادة 126 من اتفاقية جنيف الثالثة لمندوبي الدول الحامية الحق في زيارة الأماكن التي يتواجد بها أسرى الحرب سواء كانت أماكن احتجاز، أو نقل، أو عمل، ولهم كامل الحرية في اختيار الأماكن التي يرغبون في زيارتها، ولهؤلاء المندوبين كذلك أن يتحدثوا مع الأسرى بدون رقيب.

ثم جاءت الفقرة الأخيرة من ذات المادة ومنحت مندوبي اللجنة الدولية ذات الامتيازات التي يتمتع بها مندوبو الدول الحامية في شأن زيارة أسرى الحرب شريطة موافقة الدول التي يقع تحت سلطتها الأسرى على تعيين هؤلاء المندوبين.

ولم يكن للجنة الدولية للصليب الأحمر وقبل اتفاقيات جنيف لعام 1949 الحق في أن تقوم بزيارة أسرى الحرب إلا بموجب اتفاقيات خاصة تبرمها اللجنة مع الدول المعنية، إلا أن هذا الأمر تغير بعد اعتماد اتفاقيات 1949 حيث أصبح لها الحق في زيارة الأسرى استناداً إلى نص صريح في اتفاقيات جنيف.

ويمنح نص المادة 143 من اتفاقية جنيف الرابعة لمندوبي الدول الحامية واللجنة الدولية ذات الامتيازات التي يمنحها لهم نص المادة 126 ولكن في شأن زيارة المحتجزين المدنيين. وكذلك وفقاً لنص المادة 76 من اتفاقية جنيف الرابعة تسري ذات الامتيازات بالنسبة للمدنيين المتهمين بجريمة أو الذين صدرت ضدهم أحكام في بلد تحت الاحتلال.

ووفقاً لنصوص تلك المواد الثلاث “لا تمنع الزيارات إلا لأسباب تقتضيها ضرورات عسكرية قهرية ولا يكون ذلك إلا بصفة استثنائية”. وقد اعتمد المؤتمر الدبلوماسي لسنة 1949 هذا الحكم بناءً على اقتراح من اللجنة الدولية التي رأت أنه من المستحيل أن يتمتع ممثلو الدول الحامية واللجنة الدولية بصلاحية القيام بهذه الزيارات في إطار الحرية الكبيرة التي تمنحها لهم المواد سالفة الذكر دون أن يكون للدول الحاجزة الحق في منع هذه الزيارات مؤقتاً إذا دعت إلى ذلك ضرورة عسكرية، وإلا كان على هذه الدول في بعض الأحيان الخيار بين الإضرار بمصالحها العسكرية أو خرق التزامها بموجب اتفاقيات جنيف، حيث يجب أن تأخذ المبادئ الإنسانية في حسبانها ظروف الواقع حتى يمكن تطبيقها([1]). والدولة الحاجزة هي التي تقدر مدى توافر الأسباب التي تقتضيها ضرورات عسكرية قهرية لمنع الزيارات، إلا أنها إذا أساءت استخدام هذا الحق فإنها تُعد مسؤولة عن النتائج، فإذا قامت الدولة الحاجزة بمنع الزيارات دون وجود ضرورات عسكرية قهرية وترتب على ذلك ضرر كعدم تمكن الأسير من التواصل مع أسرته عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر فإن مسؤولية الدولة الحاجزة قد تتحقق إذا توافرت شروطها وفقاً للقواعد العامة.

ولتسهيل التعامل يجب على أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين أن ينتخبوا كل ستة أشهر بالاقتراع السري ممثلاً لهم (في حالة أسرى الحرب الذين لا يوجد بينهم ضباط) أو لجنة تمثلهم (في حالة المحتجزين المدنيين)، ويتولى الممثل أو اللجنة تمثيل الأسرى والمحتجزين المدنيين أمام سلطات الدولة الحاجزة والدول الحامية واللجنة الدولية وجميع الهيئات التي تساعدهم. ويجب أن توافق الدولة الحاجزة على انتخابهم وإلا أبلغت الدولة الحامية المعنية بأسباب الرفض.

ويتمتع هؤلاء الممثلون بحرية الاتصال بالبريد أو البرق بالسلطات الحاجزة والدول الحامية واللجنة الدولية دون حد لعدد المراسلات ولا تعتبر جزءاً من حصص المراسلات المنصوص عليها في اتفاقيات جنيف والتي سنتناولها في المطلب الرابع عند الحديث عن تبادل الأخبار العائلية.

ثانياً: الأشخاص الذين يحق للجنة الدولية زيارتهم

يتضح بعد مناقشة الأساس القانوني لحق اللجنة الدولية في زيارة المحتجزين، أنها تتمتع – في إطار النزاعات المسلحة الدولية – بالحق في زيارة فئتين من الأشخاص هما أسرى الحرب والمحتجزون المدنيون.

أ- أسرى الحرب

لم تضع اتفاقية جنيف الثالثة تعريفاً شاملاً لأسير الحرب وإنما سلكت مسلكاً آخر يتمثل في وضع تعداد للفئات التي ينطبق عليها مفهوم أسير الحرب. وأوردت الفقرة (أ) من المادة 4 من هذه الاتفاقية الفئات التي إذا وقع أي شخص ينتمي إلى أي منها في قبضة العدو فإنه يعد أسير حرب، وهي حصراً كالتالي:

1- أفراد القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع، والمليشيات أو الوحدات المتطوعة التي تشكل جزءاً من هذه القوات المسلحة.

2- أفراد المليشيات الأخرى والوحدات الأخرى، بمن فيهم أعضاء حركات المقاومة المنظمة، اللذين ينتمون إلى أحد أطراف النزاع ويعملون داخل أو خارج إقليمهم، حتى لو كان هذا الإقليم محتلاً، متى توافرت لهم شروط معينة.

3- أفراد القوات المسلحة النظامية الذين يعلنون ولاءهم لحكومة أو سلطة لا تعترف بها الدولة الحاجزة.

4- الأشخاص الذين يرافقون القوات المسلحة دون أن يكونوا في الواقع جزءاً منها، كالمراسلين الحربيين، شريطة أن يكون لديهم تصريح من القوات المسلحة التي يرافقونها.

5- أفراد الأطقم الملاحية وأطقم الطائرات المدنية الذين لا ينتفعون بمعاملة أفضل بمقتضى أي أحكام أخرى من القانون الدولي.

6- سكان الأراضي غير المحتلة الذين يحملون السلاح لمقاومة القوات الغازية دون أن يتوفر لهم الوقت لتشكيل وحدات مسلحة نظامية، شريطة أن يحملوا السلاح جهراً وأن يراعوا قوانين الحرب وعاداتها. كما نصت الفقرة (ب) من ذات المادة على فئتين من الأشخاص يتمتعان بمعاملة أسرى الحرب بمقتضى كما نصت الفقرة (ب) من ذات المادة على فئتين من الأشخاص يتمتعان بمعاملة أسرى الحرب بمقتضى اتفاقية جنيف الثالثة. الفئة الأولى تشمل الأشخاص الذين يتبعون أو كانوا يتبعون القوات المسلحة للبلد المحتل إذا رأت دولة الاحتلال ضرورة اعتقالهم بسبب هذا الانتماء. والفئة الثانية تشمل الأشخاص الذين ينتمون إلى إحدى الفئات سالفة الذكر الذين تستقبلهم دولة محايدة أو غير محاربة في إقليمها وتلتزم باعتقالهم بمقتضى القانون الدولي. ووفقاً لنص هذه الفقرة، عند وجود علاقات دبلوماسية بين الدولة المحايدة أو غير المحاربة المعنية وبين أطراف النزاع فإنه “يسمح لأطراف النزاع التي ينتمي إليها هؤلاء الأشخاص بممارسة المهام التي تقوم بها الدولة الحامية إزاءهم بمقتضى هذه الاتفاقية” وسنتناول – في الفصل الأول من الباب الثاني – تعريف ووظائف الدولة الحامية.

ب- المحتجزون المدنيون

يقصد بالمحتجزين المدنيين الأشخاص الذين يتمتعون بالحماية طبقاً لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة متى تم احتجازهم. ويتمتع بحماية اتفاقية جنيف الرابعة الأشخاص الذين لا تحميهم اتفاقيات جنيف الأولى أو الثانية أو الثالثة ويجدون أنفسهم، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه. وقد نصت المادة 4 من اتفاقية جنيف الرابعة على أن رعايا الدولة المحايدة الموجودين في أراضي دولة محاربة ورعايا الدولة المحاربة ما دامت الدولة التي ينتمون إليها ممثلة تمثيلاً دبلوماسياً عادياً في الدولة التي يقعون تحت سلطتها لا يعتبرون من الأشخاص المحميين..

وتجيز اتفاقية جنيف الرابعة اعتقال الأشخاص المحميين أو فرض إقامة جبرية عليهم إذا اقتضى ذلك بصورة مطلقة أمن الدولة التي يوجدون تحت سلطتها، وإذا طلب أي شخص اعتقاله بمحض إرادته عن طريق ممثلي الدولة الحامية وكان وضعه الخاص يستدعي ذلك، فإنه يعتقل بواسطة الدولة التي يوجد تحت سلطتها.

ثالثاً: الأشخاص الذين لا يتمتعون بحق زيارة اللجنة الدولية رغم مشاركتهم في النزاع المسلح

لا يتمتع المخربون والجواسيس والمرتزقة بالحق في أن تقوم اللجنة الدولية بزيارتهم، ولا يتمتع بهذا الحق كذلك مجرمو الحرب المحتجزون في الدول التي تحفظت على نص المادة 85 من اتفاقية جنيف الثالثة.

أ- الجواسيس والمخربون

وفقاً لنص المادة 5 من اتفاقية جنيف الرابعة إذا اقتنع أحد أطراف النزاع بوجود شبهات قاطعة بشأن قيام شخص تحميه الاتفاقية في أراضي هذا الطرف بنشاط يضر بأمن الدولة، أو إذا ثبت أنه يقوم بهذا النشاط، فإن مثل هذا الشخص يُحرم من الانتفاع بالحقوق والمزايا التي تمنحها هذه الاتفاقية، والتي قد تضر بأمن الدولة الموجود على إقليمها لو منحت له. وإذا اعتقل شخص تحميه الاتفاقية في أرض محتلة بتهمة الجاسوسية أو التخريب أو لوجود شبهات قاطعة بشأن قيامه بنشاط يضر بأمن دولة الاحتلال، أمكن حرمان هذا الشخص في الحالات التي يقتضيها الأمن الحربي حتماً من حقوق الاتصال المنصوص عليها في هذه الاتفاقية.

ومن الملاحظ أن هذا النص قد صيغ بطريقة تسمح بتفسيرات عديدة متضاربة ويضعف من نظام الحماية الذي تكفله اتفاقية جنيف الرابعة ، فإن أمن الدولة لا يقتضي حرمان الجاسوس أو المخرب من كل الحماية التي تضفيها الاتفاقية، فذلك الأمن لا يتطلب -على سبيل المثال- حرمان الجاسوس أو المخرب من المساعدات الطبية. ولكن الذي لا يثير أي شك في التفسير والذي يعنينا في هذا المقام هو أن هذا النص يشير إلى إمكانية تقييد اتصال المحتجز بالعالم الخارجي، وبالتالي يحق للدولة الحاجزة للجاسوس أو المخرب أن تمنع قيام اللجنة الدولية بزيارته. وهذا ما يتضح عند قراءة الفقرة الأولى من المادة 46 من البروتوكول الإضافي الأول التي تنص على أنه إذا وقع أي فرد في القوات المسلحة لطرف في النزاع في قبضة الخصم أثناء مقارفته أعمال التجسس فلا يكون له الحق في التمتع بوضع أسير الحرب ويجوز أن يعامل كجاسوس وفقاً للقانون الوطني للدولة التي ألقت القبض عليه. واستبعدت الفقرتان الثانية والثالثة من ذات المادة فئتين من عداد الجواسيس، الفئة الأولى تشمل أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع الذين يقومون بجمع أو محاولة جمع معلومات لصالح ذلك الطرف في إقليم يسيطر عليه الخصم إذا ارتدوا زي قواته المسلحة أثناء أدائهم لهذا العمل، والفئة الثانية تشمل أفراد القوات المسلحة لطرف في النزاع الذين يقيمون في إقليم يحتله الخصم ويقومون لصالح الخصم الذي يتبعونه بجمع أو محاولة جمع معلومات ذات قيمة عسكرية داخل ذلك الإقليم، ما لم يرتكب ذلك عن طريق عمل من أعمال الزيف أو تعمد التخفي.

أما المخرب فيصعب تعريفه حيث لم يرد مثل هذا التعريف في نص متعلق بالقانون الدولي، إلا أنه يمكن القول بصفة عامة أن المخرب هو الشخص الذي يقوم – خارج أعمال المقاومة المسلحة المشروعة – بأفعال يكون الهدف منها أو يترتب عليها تدمير أو تخريب الممتلكات التي يملكها أو يستخدمها جيش دولة الاحتلال.

ب- المرتزقة

عرفت الفقرة الثانية من نص المادة 47 من البروتوكول الإضافي الأول المرتزق بأنه أي شخص:

أ) يجري تجنيده خصيصاً، محلياً أو في الخارج، ليقاتل في نزاع مسلح،

ب) يشارك فعلاً ومباشرة في الأعمال العدائية،

ج) يحفزه أساساً إلى الاشتراك في الأعمال العدائية، الرغبة في تحقيق مغنم شخصي، ويبذل له فعلاً من قبل طرف في النزاع أو نيابة عنه وعد بتعويض مادي يتجاوز بإفراط ما يوعد به المقاتلون ذوو الرتب والوظائف المماثلة في القوات المسلحة لذلك الطرف أو ما يدفع لهم،

د) وليس من رعايا طرف في النزاع ولا متوطناً بإقليم يسيطر عليه أحد  أطراف النزاع،

هـ)  ليس عضواً في القوات المسلحة لأحد أطراف النزاع،

و) وليس موفداً في مهمة رسمية من قبل دولة ليست طرفاً في النزاع بوصفه عضواً في قواتها المسلحة.

وتنص الفقرة الأولى من المادة 47 من البروتوكول الإضافي الأول على أنه لا يجوز أن يتمتع المرتزق بوضع المقاتل أو أسير الحرب، وبالتالي لا يكون من حق اللجنة الدولية للصليب الأحمر زيارته في حالة احتجازه.

ج- مجرمو الحرب

بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية قامت دول الحلفاء بمحاكمة مجرمي الحرب، ورفضت محاكم هذه الدول أن تمنح هؤلاء المجرمين الضمانات والامتيازات التي تمنحها اتفاقيات جنيف لعام 1929 لأسرى الحرب، وذلك استناداً إلى أن القانون الدولي العرفي يقضي بأن أولئك الذين انتهكوا قوانين الحرب لا يتمتعون بحمايتها، وبالتالي فإن أفراد القوات المسلحة للعدو الذين انتهكوا قوانين الحرب وألقي القبض عليهم لا يمكن أن يتمتعوا بوضع أسرى الحرب، وما دامت اتفاقيات جنيف لعام 1929 لم تذكر أي حكم في هذا الشأن فإن ذلك يدل على عدم وجود أي نية للعدول عما استقرت عليه القواعد العرفية السارية.

ولكن بإبرام اتفاقية جنيف الثالثة تغير هذا الوضع حيث أبدت الدول رغبتها في مد الحماية المقررة بموجب هذه الاتفاقية لتشمل أسرى الحرب الذين يحاكمون عن جرائم حرب، فجاء نص المادة 85 من اتفاقية جنيف الثالثة على أنه “يحتفظ أسرى الحرب الذين يحاكمون بمقتضى قوانين الدولة الحاجزة عن أفعال اقترفوها قبل وقوعهم في الأسر بحق الإفادة من أحكام هذه الاتفاقية، حتى ولو حكم عليهم”.

وقد تحفظت العديد من الدول عند التوقيع أو التصديق على اتفاقية جنيف الثالثة على هذا النص من بينها الاتحاد السوفيتي وبولندا والمجر، ووفقاً لهذه التحفظات لا تلتزم هذه الدول بمد أحكام اتفاقية جنيف الثالثة لتشمل أسرى الحرب الذين أدينوا بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.

وبناءً على هذا التحفظ فإن اللجنة الدولية لا تستطيع القيام بزيارة أسرى الحرب الذين تحتجزهم الدول المتحفظة إذا أدينوا بارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية، إلا أنها تملك القيام بزيارتهم في الفترة من الوقوع في الأسر وحتى الإدانة. وكذلك لا تملك اللجنة الدولية الحق في زيارة أسرى الحرب التابعين للدول المتحفظة والذين تحتجزهم دولة غير متحفظة متى أدينوا بمثل هذه الجرائم إذا تمسكت الدولة الحاجزة بقاعدة أن التحفظ يَعدل أحكام النص بالنسبة لباقي أطراف الاتفاق في علاقتهم بالدولة المتحفظة.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن اللجنة الدولية تبذل مساعٍ حتى تتمكن من زيارة ومساعدة المحتجزين الذين ينتظرون المحاكمة أمام المحاكم الجنائية الدولية الخاصة، وتمكنت اللجنة الدولية – في عام 1995– من الاتفاق مع رئيس المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة على أن تتولى زيارة المحتجزين الذين ينتظرون المحاكمة أمام هذه المحكمة، وبموجب اتفاقات مماثلة تمكنت اللجنة الدولية من زيارة المحتجزين الذين ينتظرون المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، ومحكمة سيراليون الخاصة.

رابعاً: الهدف من زيارة المحتجزين

تقوم اللجنة الدولية من خلال زيارة المحتجزين بتحقيق العديد من الأهداف، أولها وأهمها هو حمايتهم. فتسعى اللجنة الدولية، من خلال هذه الزيارات، إلى التأكد من أن المحتجزين يتمتعون بالحقوق التي تكفلها لهم اتفاقيات جنيف. فهذه الزيارات تحمي حياة المحتجزين وتمنع نقلهم إلى أماكن احتجاز غير معلومة. وكذلك تسعى اللجنة الدولية إلى إيقاف تعذيب المحتجزين أو إساءة معاملتهم في حالة قيام الدولة الحاجزة بارتكاب مثل هذه الأفعال.

وبعد كل زيارة تقوم اللجنة الدولية بإرسال تقارير سرية إلى كل من الدولة الحاجزة والدولة التي يتبعها الأسرى توضح فيها الحقائق التي توصلت إليها واقتراحاتها في هذا الشأن.

فمن خلال هذه الزيارات تقف اللجنة الدولية على ظروف الاحتجاز وتطالب السلطة الحاجزة باتخاذ الإجراءات الضرورية اللازمة لتحسينها إذا دعت مصلحة المحتجزين إلى ذلك، كما قد تُقدم اللجنة الدولية المساعدات اللازمة لتحسين هذه الظروف، كذلك تلعب المعلومات التي يجمعها مندوبو اللجنة الدولية أثناء هذه الزيارات دوراً كبيراً نحو تحقيق أمرين، الأول هو مساعدة الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين في أداء عملها بتحديث قوائم المحتجزين، وجمع المعلومات عن المفقودين وإعادة الاتصال بين المحتجزين وبين عائلاتهم. والأمر الثاني هو معرفة الأماكن التي تحتاج إلى إمدادات إغاثة ومتابعة توزيعها بطريقة سليمة ودائماً ما تضع اللجنة الدولية مصلحة المحتجزين فوق كل اعتبار، فعندما يستدعي الأمر تدخل اللجنة لتحسين ظروف الاحتجاز فإنها تقوم بهذا التدخل بمنتهى الحذر، فعند وجود احتمال تعرض المحتجزين لأعمال انتقامية إذا أبلغت اللجنة الدولية السلطات الحاجزة بشكواهم من سوء المعاملة، فإن اللجنة الدولية تحجم عن القيام بهذا الإبلاغ. وعندما تلاحظ اللجنة الدولية ازدحام أماكن الاحتجاز فإنها تقترح نقل بعض المحتجزين إلى أماكن احتجاز أخرى، ولكن عندما يكون من نتائج مثل هذا النقل إبعاد المحتجزين عن ذويهم وعن الدعم المادي فإن اللجنة الدولية تأخذ ذلك في الاعتبار.

وإذا لم تتعاون السلطات الحاجزة مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر على النحو الذي يمكنها من زيارة جميع المحتجزين فإنها تعلن ذلك، وإذا لم تتمكن من التحدث دون رقيب إلى أسرى الحرب أو المحتجزين المدنيين فإنها توقف الزيارات وتعلن ذلك، كما حدث عندما أعلنت فيتنام في رد عن اتهامات وجهت إليها بشأن معاملة الأسرى والمحتجزين المدنيين في عام 1973 بأن منظمات إنسانية من بينها اللجنة الدولية تقوم بزيارة أماكن الاحتجاز، فأعلنت اللجنة الدولية أنه سُمح لها فقط بزيارة عدد قليل من أسرى الحرب، ولم يُسمح لها بالتحدث دون رقيب مع المحتجزين المدنيين مما دفعها إلى إيقاف الزيارات منذ مارس/ آذار من عام 1972.

المطلب الثاني: حماية و مساعدة السكان المدنيين والجرحى والمرضى من المقاتلين

دائماً ما يعاني السكان المدنيون أشد المعاناة من ويلات الحروب التي تغير من طبيعة حياتهم وتحولها إلى معاناة شديدة تترتب على نقص المؤن وتدمير المنازل والتعرض للإصابات، وعادةً ما تدفع الحروب هؤلاء السكان إلى ترك منازلهم والنزوح إلى أماكن أخرى داخل حدود الدولة أو اللجوء إلى دول مجاورة.

وقد خصص الباب الثاني من اتفاقية جنيف الرابعة لبيان قواعد الحماية العامة للسكان من بعض عواقب الحرب، ووفقاً لنص أول مادة من هذا الباب يتمتع بالحماية التي تضفيها هذه القواعد مجموع سكان البلدان المشتركة في النزاع، دون أي تمييز مجحف يرجع إلى العنصر، أو الجنسية أو الدين، أو الآراء السياسية.

وفي ظل هذا النص اختلفت الآراء حول تعريف مفهوم السكان وكانت جميع هذه التعريفات غير محكمة، وظهرت الحاجة إلى وضع تعريف يتسم بالدقة ويشمل كافة فئات السكان، حتى جاء البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف بهذا التعريف . فعرف نص المادة 50 من هذا البروتوكول السكان المدنيين بأنهم الأشخاص الذين لا يشكلون جزءاً من القوات المسلحة ولا يشتركون في العمليات الحربية بشكل مباشر، ولا يجرد السكان المدنيون من صفتهم المدنية وجود أفراد بينهم لا يسري عليهم تعريف المدنيين، وإذا ثار الشك حول ما إذا كان شخص ما مدنياً أم غير مدنى فإنه يعد مدنياً. وكما سبق أن ذكرنا فإن اتفاقية جنيف الرابعة تحمي المدنيين الذين يجدون أنفسهم، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه. ومن أجل حماية السكان الذين لا يشتركون في العمليات الحربية يتعين دائماً على الأطراف المتحاربة أن تفرق بينهم وبين المقاتلين وأن توجه هجماتها إلى الأهداف العسكرية وحدها. وقد وضع البروتوكول الإضافي الأول العديد من القواعد كأمثلة لما يجب مراعاته أثناء النزاعات المسلحة الدولية لحماية السكان المدنيين ويكون الجرحى والمرضى من المقاتلين في حالة تجعلهم في احتياج إلى مساعدة وحماية لا يقل من حيث الضرورة والأهمية عن احتياج السكان المدنيين إلى المساعدة والحماية. لذلك تُلزِم اتفاقيتا جنيف الأولى والثانية أطراف النزاع بأن تحترم وتحمي في جميع الأحوال الجرحى والمرضى من المقاتلين الذين أصبحوا عاجزين عن حمل السلاح

وتقوم اللجنة الدولية بدور جوهري في حماية ومساعدة السكان المدنيين والجرحى والمرضى من المقاتلين أثناء النزاعات المسلحة الدولية مع ملاحظة أنه وإن كانت اتفاقية جنيف الرابعة تحمي المدنيين الذين يجدون أنفسهم، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه إلا أن اللجنة الدولية كذلك تعمل على مساعدة وحماية المدنيين التابعين لأحد أطراف النزاع الذين يكونون تحت سيطرة هذا الطرف شريطة موافقة الأخير وتقوم اللجنة الدولية بمساعدة وحماية سالفي الذكر من خلال تذكير أطراف النزاع بالتزاماتهم المتعلقة بالقانون الدولي الإنساني، وتدعيم البنية التحتية، والعمل على إنشاء مناطق الأمان، والعمل على إخلاء المناطق المحاصرة، وذلك على النحو التالي:

أولاً: التذكير بالالتزامات وتدعيم البنية التحتية

تقوم اللجنة الدولية عند اندلاع أي نزاع مسلح دولي بتذكير الأطراف المتحاربة بالقواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني، وتتضمن رسائل التذكير القواعد المتعلقة بسير العمليات العدائية وتلك الخاصة بحماية ضحايا الحرب. وتتضمن هذه الرسائل التذكير بأن المدنيين والجرحى والمرضى من المقاتلين يجب ألا يتأثروا بالعمليات الحربية. وتقوم اللجنة الدولية ببذل العديد من الجهود لكفالة حماية المدنيين، والجرحى والمرضى من المقاتلين، ومن هذه الجهود تشجيع السلطات المعنية من خلال اتصالات سرية على الوفاء بالتزاماتها التي يرتبها القانون الدولي الإنساني، وفي بعض الأحيان تقوم اللجنة الدولية بتدعيم البنية التحتية، كالقيام بإنشاء المستشفيات ومرافق المياه. وفي السنوات الأخيرة تأثرت أنشطة الحماية التي تقوم بها اللجنة الدولية بسبب الظروف الأمنية وقدرة اللجنة على الدخول إلى مناطق معينة، فجهود اللجنة أصبحت محدودة في أفغانستان والعراق على الرغم من وجود احتياجات إنسانية كبيرة في هذه المناطق. وفي إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة تواصل اللجنة

وتقوم اللجنة الدولية ببذل العديد من الجهود لكفالة حماية المدنيين، والجرحى والمرضى من المقاتلين، ومن هذه الجهود تشجيع السلطات المعنية من خلال اتصالات سرية على الوفاء بالتزاماتها التي يرتبها القانون الدولي الإنساني، وفي بعض الأحيان تقوم اللجنة الدولية بتدعيم البنية التحتية، كالقيام بإنشاء المستشفيات ومرافق المياه. وفي السنوات الأخيرة تأثرت أنشطة الحماية التي تقوم بها اللجنة الدولية بسبب الظروف الأمنية وقدرة اللجنة على الدخول إلى مناطق معينة، فجهود اللجنة أصبحت محدودة في أفغانستان والعراق على الرغم من وجود احتياجات إنسانية كبيرة في هذه المناطق. وفي إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة تواصل اللجنة الدولية إخطار السلطات والجماعات المسلحة بقلقها بشأن تطبيق القانون الدولي الإنساني.

وفي خلال عام 2004 ورغم الظروف الأمنية في العراق واصلت اللجنة الدولية جهودها في حماية ومساعدة السكان المدنيين وواصل المهندسون المدنيون ومهندسو المياه التابعون للجنة الدولية جهودهم وتمكنوا من القيام بمشروعات متعلقة بالمياه والصرف الصحي ومرافق الاستشفاء التي قدمت خدمات لأكثر من سبعة ملايين شخص في كافة أنحاء العراق.

 مساعدة السكان المدنيين والجرحى والمرضى من المقاتلين

ثانياً: العمل على إنشاء مناطق الأمان

من أجل حماية ومساعدة المدنيين والجرحى والمرضى من المقاتلين يمكن للدول في وقت السلم أو عند نشوب نزاعات مسلحة أن تُنشئ على أراضيها أو على الأراضي المحتلة مناطق ومواقع للاستشفاء والأمان بكيفية تسمح بحماية الجرحى والمرضى والعجزة والمسنين والأطفال دون الخامسة عشرة والحوامل وأمهات الأطفال دون السابعة. وتدعو اتفاقيتا جنيف الأولى والرابعة الدول الحامية واللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى تقديم مساعيها الحميدة لتسهيل إنشاء هذه المناطق والمواقع والاعتراف بها.

والمقصود بمواقع ومناطق الاستشفاء هي تلك التي تنشأ بصفة دائمة خارج مناطق القتال كملجأ للجرحى والمرضى من المقاتلين لحمايتهم من الأسلحة بعيدة المدى، وخاصةً القذف الجوي. أما مواقع ومناطق الأمان فهي تلك التي تنشأ بصفة دائمة خارج مناطق القتال كملجأ لحماية لبعض فئات المدنيين الذين يكونون في حالة من الضعف تقتضي حمايتهم من الأسلحة بعيدة المدى كالأطفال والعجائز. وقد اقترحت اللجنة الدولية على الأطراف المتحاربة في العديد من النزاعات المسلحة الدولية إنشاء مواقع للأمان والاستشفاء. وفي النزاع المسلح في يوغسلافيا السابقة لم تكتف اللجنة الدولية بدعوة الأطراف المتحاربة إلى إنشاء هذه المناطق، بل تجاوزت ذلك ووجهت نداءً إلى المجتمع الدولي ذكرت فيه أن مائة ألف مسلم على الأقل يعيشون في شمال البوسنة والهرسك في حاجة إلى المساعدة والحماية قبل حلول شتاء عام 1992 حيث ترفض الدول المجاورة منحهم حق اللجوء ودعت المجتمع الدولي إلى إنشاء مناطق أمان لهم وأبدت استعدادها لتقديم خدماتها في إنشاء وإدارة هذه المناطق ودعت الأمم المتحدة إلى توسيع اختصاصات قواتها لتشمل حماية هذه المناطق. وقد استجاب مجلس الأمن إلى هذه المطالبة وطالب جميع الأطراف باعتبار صربيا والمناطق المحيطة بها منطقة أمان لا يجوز مهاجمتها كما طالب الأمين العام للأمم المتحدة باتخاذ خطوات فورية بزيادة تواجد قوات الأمم المتحدة في صربيا. كما أعلن مجلس الأمن أن سراييفو عاصمة البوسنة والهرسك وعدة مدن أخرى تعتبر مناطق أمان.

وبالإضافة إلى مناطق ومواقع الاستشفاء والأمان، يجوز كذلك لأي طرف في نزاع أن يقترح على الطرف المعادي، إما مباشرة أو عن طريق دولة محايدة أو هيئة إنسانية، إنشاء مناطق محايدة في الأقاليم التي يجري فيها القتال بقصد حماية الجرحى والمرضى من المقاتلين والمدنيين. وتهدف المناطق المحيدة إلى حماية الأشخاص غير المشاركين في الأعمال العدائية من ويلات النزاع عن طريق تجميعهم في منطقة واحدة، وتختلف المناطق المحيدة عن مناطق ومواقع الاستشفاء والأمان في أنها تنشأ في مناطق القتال وليس بعيداً عنها، وغالباً ما تكون لها طبيعة مؤقتة تقتضيها تكتيكات الأعمال العسكرية في وقت معين بخلاف مناطق الاستشفاء والأمان التي غالباً ما تنشأ بصفة دائمة وبعيداً عن مناطق القتال.

وقد أرفق بكل من اتفاقيتي جنيف الأولى والرابعة مشروع اتفاق يمكن للأطراف المعنية الاسترشاد به كنموذج للاتفاق بينها على الاعتراف المتبادل بمواقع ومناطق الاستشفاء والأمان. ونص هذان المشروعان على أنه يحق لكل دولة تعترف بمنطقة أو عدة مناطق أمان أو استشفاء أنشأها الطرف الخصم أن تتطلب فرض رقابة عليها بواسطة لجنة خاصة أو أكثر بقصد التحقق من استيفاء الشروط والالتزامات الواردة بالاتفاق، ويكون لأعضاء هذه اللجان حرية الدخول في جميع الأوقات إلى هذه المناطق. وإذا لاحظت هذه اللجان أية وقائع تعتبرها مخالفة لأحكام الاتفاق تبلغها فوراً إلى الدولة المسؤولة عن المنطقة وإلى الدولة التي اعترفت بالمنطقة.

ثالثاً: العمل على إخلاء المناطق المحاصرة

تدعو اتفاقية جنيف الرابعة أطراف النزاع إلى العمل على إقرار ترتيبات محلية لنقل الجرحى والمرضى العجزة والمسنين والأطفال والنساء النفاس من المناطق المحاصرة. وعلى الرغم من أن اتفاقيات جنيف لم تمنح اللجنة الدولية أو المنظمات الإنسانية بصفة عامة الحق في القيام بأي عمل يتعلق بالإخلاء في حالة الحصار، فإنه لا يمكن أن يتم وقف إطلاق النار وإخلاء غير المقاتلين من المناطق المحاصرة إلا بموافقة أطراف النزاع. ويكون من العسير التوصل إلى مثل هذا الاتفاق دون تدخل وسيط محايد، وعادةً ما تكون اللجنة الدولية هي أفضل وسيط للقيام بهذه المهمة.

وفي العديد من المواقف طلب من اللجنة الدولية – أثناء حرب فلسطين عام 1948–  أن تخلي غير المقاتلين من المناطق المحاصرة، وتمكنت اللجنة الدولية من إخلاء ألف ومائة امرأة وطفل ومسن من العرب الذين كانوا متواجدين في أماكن محاصرة. والواقع أن السبب وراء دعوة اتفاقية جنيف الرابعة أطراف النزاع إلى إخلاء المناطق المحاصرة، هو أنه أثناء الحرب العالمية الثانية خضعت عدة مناطق إلى حصارات استمرت لشهور ولسنين في بعض الأحيان، ولم تكن آلية الإجلاء معتمدة في ذلك الوقت وتمكنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر – في بعض الأحيان – من دخول هذه المناطق للقيام بالأعمال الإنسانية، إلا أنه كان من الأفضل والأكثر فاعلية من الناحية العملية هو الإخلاء ولذلك تبنت اتفاقيات جنيف هذه الآلية.

المطلب الثالث: توزيع إمدادات الإغاثة والمساعدات

لا شك في أن كلاً من أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين غالباً ما يكونون في احتياج إلى العديد من إمدادات الإغاثة والمساعدات. لذلك ألزمت المادتان 125 من اتفاقية جنيف الثالثة و142 من اتفاقية جنيف الرابعة الدول الحاجزة بأن تقدم أفضل معاملة للمنظمات الدينية، وجمعيات الإغاثة أو أي هيئة أخرى تعاون أسرى الحرب والمحتجزين المدنيين، وأن تقدم لهم ولمندوبيهم كافة التسهيلات اللازمة للقيام بتوزيع إمدادات الإغاثة، والمواد الواردة من أي مصادر لأغراض دينية أو ثقافية أو ترفيهية، أو لمعاونتهم في تنظيم أوقات فراغهم داخل أماكن الاحتجاز.

ووفقاً لنص المادتين سالفتي الذكر يمكن للدولة الحاجزة أن تفرض قيوداً على هذه الأنشطة أو أن تمنعها مراعاة لتدابير تراها الدولة الحاجزة “حتمية لضمان أمنها أو لمواجهة أي ضرورة معقولة أخرى”. إلا أن ذات المادتين نصتا صراحةً على أنه “يجب الاعتراف بالوضع الخاص للجنة الدولية للصليب الأحمر في هذا المجال واحترامه في جميع الأوقات”.

وقد كان الغرض من إدراج هذا النص – الذي يميز اللجنة الدولية عن غيرها من الهيئات الإنسانية – هو التأكيد على أن القيود التي قد تفرضها الدولة الحاجزة على الأنشطة سالفة الذكر لا تطبق على اللجنة الدولية أو على الأقل تكون اللجنة الدولية هي آخر هيئة يمكن أن تطبق في مواجهتها هذه القيود.

ومن الأمثلة التي قامت فيها اللجنة الدولية بهذا الدور، هو قيامها في ثمانينيات القرن الماضي – أثناء النزاع الإثيوبي الصومالي بزيارة 238 أسير حرب صومالياً وزعت عليهم 66 طناً من مواد الإغاثة، و3500 أسير حرب إثيوبي، عالج أطباء اللجنة الدولية المرضى منهم وتم توزيع الأدوية اللازمة وفي خلال أحد الأشهر تم توزيع 32 طناً من الطعام بالإضافة إلى بعض مستلزمات النظافة الشخصية.

كذلك قد تتكفل الدولة الحامية أو اللجنة الدولية أو أي هيئة أخرى تعتمدها أطراف النزاع بنقل الطرود الخاصة بالأسرى أو المحتجزين المدنيين بأي وسيلة نقل يوفرها الطرف المعني ويسمح بمرورها. ويتم ذلك عندما تحول العمليات الحربية دون اضطلاع الدولة المعنية بمسؤولياتها المترتبة على اتفاقيات كإرسال بطاقات هويات الأسرى والمحتجزين المدنيين ورسائلهم ومواد الإغاثة أو الملابس أو الأدوية.

فعلى سبيل المثال، أثناء النزاع العربي الإسرائيلي كانت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تنقل جميع إمدادات الإغاثة لأسرى الحرب بوسائل النقل البرية والبحرية في أعوام 1956، و1967، و1973.

ولا يقف دور اللجنة الدولية على مساعدة الأسرى والمحتجزين المدنيين بل يمتد ليشمل السكان المدنيين. فعلى الرغم من أن الدول الحامية هي التي تختص – وفقاً لنص المادة 23 من اتفاقية جنيف الرابعة – بالإشراف على توزيع رسائل الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة حصراً إلى السكان المدنيين ولم يذكر نص هذه المادة اللجنة الدولية أو الهيئات الإنسانية بصفة عامة إلا أن الواقع العملي يشهد بأن اللجنة الدولية هي التي تتولى هذا الدور. ويرجع ذلك إلى ما تتمتع به اللجنة الدولية من خبرة كبيرة في إدارة عمليات الإغاثة وإلى الثقة الكبيرة التي توليها الدول المتحاربة والدول المانحة للمساعدات لحياد اللجنة الدولية.

وكذلك قد تتولى اللجنة الدولية توزيع إمدادات الإغاثة على سكان الأراضي المحتلة. إذ يتعين على دولة الاحتلال في حالة نقص المؤن الكافية لسكان الأراضي المحتلة أن تسمح بعمليات الإغاثة لصالح هؤلاء السكان وبصفة خاصة إرسال الأغذية والمساعدات الطبية والملابس. ويجري توزيع هذه المساعدات بمعاونة الدولة الحامية وتحت إشرافها. ويجوز أن يعهد بهذا العمل باتفاق دولة الاحتلال والدولة الحامية إلى دولة محايدة أو إلى اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو أي هيئة غير متحيزة أخرى.

وكذلك تعمل اللجنة الدولية على مساعدة اللاجئين والنازحين داخلياً، فغالباً ما تدفع النزاعات المسلحة الدولية العديد من السكان المدنيين إلى ترك أماكن تواجدهم والنزوح إلى أماكن أخرى داخل ذات الدولة أو عبور الحدود واللجوء إلى دول أخرى بحثاً عن الأمان وهرباً من مخاطر النزاع المسلح.

فضـلاً عـن أنـه، فـي حـالة الاحتلال، يمكـن أن تقـوم دولـة الاحـتلال بنقـل السكان المدنيين نقلاً جبرياً لإخلاء مناطق محتلة معينة إخلاء كلياً أو جزئياً، إذا اقتضى ذلك أمن السكان أو ضرورة عسكرية ملحة على ألا يترتب على هذا الإخلاء نزوح المدنيين إلا في إطار حدود الأراضي المحتلة، ما لم يتعذر ذلك من الناحية المادية. وعلى دولة الاحتلال التي تقوم بعمليات النقل أو الإخلاء هذه أن تتحقق إلى أقصى حد ممكن من توفير أماكن الإقامة المناسبة لاستقبال الأشخاص المحميين، ومن أن الانتقالات تجري في ظروف مرضية من وجهة السلامة والشروط الصحية والأمن والتغذية.

وبطبيعة الحال يكون اللاجئون والنازحون داخلياً في حاجة إلى إمدادات الإغاثة والمساعدات الطبية والغذائية. وتعد المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة هي الجهة المسؤولة عن مساعدة وحماية اللاجئين، إلا أن اللجنة الدولية  للصليب الأحمر تقدم العون والمساعدة للاجئين كما تقدمهما للنازحين داخلياً باعتبارهم من الضحايا المدنيين للنزاع المسلح، وتعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر على توزيع إمدادات الإغاثة والمساعدات عليهم وفقاً للأحكام التي تنظم ذلك في شأن مساعدة المدنيين. وكما سبق أن ذكرنا فإن اللجنة الدولية للصليب الأحمر تعمل على حماية ومساعدة السكان المدنيين الذين يجدون أنفسهم، في حالة قيام نزاع أو احتلال، تحت سلطة طرف في النزاع ليسوا من رعاياه، كما قد تقوم بهذه المساعدة وتلك الحماية أثناء النزاع المسلح لصالح المدنيين الذين تحت سلطة طرف هم من رعايا ولا توجد صعوبة في تحديد اختصاص اللجنة الدولية في حالة النزوح الداخلي أثناء النزاع المسلح، وكذلك في حالة لجوء السكان إلى دولة أخرى طرف في هذا النزاع المسلح أو في نزاع مسلح آخر، ففي مثل هذه الحالات يعد النازحون داخلياً واللاجئون من المدنيين المحميين بموجب اتفاقية جنيف الرابعة.

كذلك يمكن للجنة الدولية أن تقوم بإصدار وثائق سفر للنازحين واللاجئين الذين لا يملكون وثائق سفر ولا يستطيعون العودة إلى دولهم أو السفر إلى دول أخرى على استعداد لاستقبالهم. ورغم أنه لا يوجد أساس قانوني يمنح اللجنة الدولية صلاحية إصدار هذه الوثائق إلا أن المجتمع الدولي يعترف بها، ومنذ عام 1945 وحتى عام 2000 تمكن أكثر من نصف مليون نازح ولاجئ، يحملون وثائق السفر التي تصدرها اللجنة الدولية، من الوصول إلى الدول التي يرغبون في السفر إليها بمعاونة حكومات تلك الدول.

المطلب الرابع: إعادة الروابط العائلية

تفتت النزاعات المسلحة شمل العائلات وتقطع العديد من الروابط العائلية، وتكون الكثير من العائلات في أشد الحاجة إلى معرفة أخبار أبنائها الذين فرق النزاع المسلح بينهم، وتبذل العديد منها جهداً كبيراً نحو إعادة جمع الشمل. وفي إطار عملها الإنساني تقوم اللجنة الدولية بدور كبير في هذا المجال من خلال تجميع وتسجيل وإرسال المعلومات المتعلقة بالأسرى والمحتجزين المدنيين والعمل على تبادل الأخبار العائلية والبحث عن المفقودين وجمع شمل العائلات.

أولاً: تجميع وتسجيل وإرسال المعلومات المتعلقة بالأسرى والمحتجزين المدنيين

تنص المادة 123 من اتفاقية جنيف الثالثة على أن تنشأ في بلد محايد وكالة مركزية للاستعلام عن أسرى الحرب، وإذا رأت اللجنة الدولية أنه من الضروري أن تتولى تنظيم هذه الوكالة فلها أن تقترح ذلك على الدول المعنية. وتقوم هذه الوكالة بتجميع المعلومات المتعلقة بأسرى الحرب التي يمكن الحصول عليها بالطرق الرسمية أو غير الرسمية، وتنقل هذه المعلومات بأسرع ما يمكن إلى الدولة التي يتبعها الأسرى. وتقوم الدول المنتفعة بخدمات هذه الوكالة بتقديم الدعم المالي الذي قد تحتاج إليه. وللجنة الدولية، إذا رأت ضرورة لذلك، أن تقترح على الدول المعنية أن تتولى تنظيم هذه الوكالة.

ونصت المادة 140 من اتفاقية جنيف الرابعة على ذات الأحكام بشأن إنشاء وكالة مركزية للاستعلام عن الأشخاص المحميين بموجب هذه الاتفاقية وبصفة خاصة المحتجزين المدنيين، ونصت كذلك على أنه يمكن أن تكون هذه الوكالة هي ذات الوكالة المنصوص عليها في المادة 123 من اتفاقية جنيف الثالثة.

وتعد الأحكام المنصوص عليها في المادتين سالفتي الذكر تقنيناً وتنظيماً لعمل الوكالة المركزية لمساعدة أسرى الحرب التي سبق الإشارة إليها والتي أنشأتها اللجنة الدولية في عام 1914 للعمل على تجميع المعلومات المتعلقة بالأسرى والجرحى والمرضى من المقاتلين وإرسالها إلى عائلاتهم ثم اتسع عملها ليشمل المحتجزين المدنيين. وقد أصبحت الوكالة المركزية جهازاً دائماً من أجهزة اللجنة الدولية منذ مباشرة عملها أثناء الحرب العالمية الثانية، وأصبح اسمها وفقا لاتفاقيات جنيف لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول “الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين”.

ولم تنص اتفاقيات جنيف على أن تتولى اللجنة الدولية تنظيم هاتين الوكالتين وإنما نصت على أن تقترح اللجنة الدولية أن تتولى تنظيم هاتين الوكالتين “إذا رأت ضرورة لذلك”، والهدف من وراء هذا الحكم هو ترك الحرية للجنة الدولية لتقدر مدى ملاءمة قيامها بتولي هذا التنظيم في كل حالة على حدة، فقد ترى اللجنة الدولية في ظروف معينة أن تولي جهة أخرى أو إحدى الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر هذا العمل يكون أكثر مناسبة وفاعلية. ويقتصر دور اللجنة هنا على اقتراح قيامها بتنظيم هاتين الوكالتين، وللدول المعنية أن ترفض هذا الاقتراح، إلا أنها تظل ملزمة بأن تعمل على إنشاء هاتين الوكالتين في دولة محايدة. كذلك تركت اتفاقيات جنيف للجنة الدولية حرية تقدير مدى ملاءمة اقتراح الجمع بين الوكالة المركزية المعنية بأسرى الحرب وبين تلك المعنية بالمدنيين، فقد ترى اللجنة أن ظروفاً معينة تقتضي الفصل بين الوكالتين بأن تكون كل منهما في دولة محايدة غير التي توجد فيها الأخرى. ومثل هذه الظروف استثنائية، فمزايا الجمع بين الوكالتين في كيان واحد لا يمكن إنكارها، فالجمع بينهما على سبيل المثال يجعلهما تستخدمان ذات أساليب العمل، وذات نوعية العاملين المدربين، وذات الأدوات والأجهزة.

وقد أصبحت الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين جهازاً دائماً ومهماً من أجهزة اللجنة الدولية. وحقيقة الأمـر أن إمكانية لجوء الدول الأطراف في نزاع مسلح إلى جهة أخرى غير اللجنة الدولية لتولي تنظيم الوكالة المركزية للاستعلام عن أسرى الحرب أو الوكالة المركزية للاستعلام عن الأشخاص المحميين هي فرضية نظرية، فالوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية تتمتع بالعديد من المزايا التي تجعلها تفرض نفسها في هذا المجال، فهذه الوكالة تتمتع بخبرة أكثر من مائة عام، ولديها وسائلها وموظفوها المدربون، والمعدات والأجهزة اللازمة للقيام بهذا العمل، فضلاً عن كونها جهازاً دائماً ومتوافراً على الفور وفي جميع الأوقات.

ومن أجل توفير المعلومات اللازمة لقيام الوكالة المركزية للاستعلام عن الأسرى بعملها ألزمت المادة 122 من اتفاقية جنيف الثالثة، كل طرف من أطراف النزاع عند نشوب نزاع وفي جميع حالات الاحتلال أن ينشئ مكتباً رسمياً للاستعلام عن أسرى الحرب الذين في قبضته، وعلى الدول المحايدة أو غير المحاربة التي تستقبل في أقاليمها أشخاصاً ينطبق عليهم وصف أسرى الحرب أن تتخذ الإجراء نفسه إزاء هؤلاء الأشخاص، وعلى كل طرف في النزاع أن يقدم إلى مكتب الاستعلامات التابع له في أقرب وقت ممكن جميع المعلومات المتعلقة بأسرى الحرب الذين في قبضته وذلك لإخطار عائلاتهم وعلى الدول المحايدة أو غير المحاربة أن تتخذ الإجراء نفسه إزاء الأسرى الذين تستقبلهم في إقليمها.           وتتولى هذه المكاتب إبلاغ المعلومات فوراً بأسرع الوسائل الممكنة إلى الدول المعنية عن طريق الدول الحامية والوكالة المركزية للاستعلام عن الأسرى. كما تتولى مكاتب الاستعلامات الرد على جميع الاستفسارات التي توجه إليها بخصوص أسرى الحرب، وتقوم بالتحريات اللازمة للحصول على المعلومات المطلوبة التي لا تتوافر لديها. كذلك تتولى هذه المكاتب جمع الأشياء الشخصية ذات القيمة التي يتركها الأسير الذي أعيد إلى وطنه أو أفرج عنه أو توفي وتسلمها إلى الدولة المعنية.

وتشمل المعلومات التي تسعى المكاتب المحلية للاستعلام عن الأسرى إلى جمعها اسم الأسير بالكامل، ورتبته، ورقمه بالجيش أو الفرقة أو رقمه الشخصي أو المسلسل، ومحل الميلاد وتاريخه بالكامل، واسم الدولة التي يتبعها، واسم الأب والأم، واسم وعنوان الشخص الذي يجب إخطاره، والعنوان الذي يمكن أن ترسل عليه المكاتبات للأسير، والمعلومات المتعلقة بالنقل والإفراج والإعادة إلى الوطن، والحالة الصحية ولتوفير المعلومات اللازمة لقيام الوكالة المركزية للاستعلام عن المدنيين بعملها، نصت اتفاقية جنيف الرابعة على إنشاء مكتب مماثل لذلك المنصوص عليه في المادة 122 من اتفاقية جنيف الثالثة يتولى تجميع المعلومات المتعلقة بأي مدني قبض عليه أو فرضت عليه إقامة جبرية أو اعتقل لمدة تزيد على أسبوعين وعلى خلاف الحال في شأن مكتب الاستعلام عن الأسرى، لا تنقل المعلومات المتعلقة بالمحتجزين المدنيين بصورة تلقائية إلى الدولة التي يكون الأشخاص المذكورون من رعاياها أو الدولة التي كانوا يقيمون في أراضيها إلا إذا لم يكن من شأن نقل هذه المعلومات إلحاق الضرر بالشخص المعني أو بعائلته، ويتم إخطار الوكالة المركزية للاستعلام عن المحتجزين المدنيين بالظروف التي تجعل نقل المعلومات من شأنه إلحاق مثل هذا الضرر وعلى الوكالة المركزية أن تتخذ ما تراه من احتياطات.

ثانياً: تبادل الأخبار العائلية يتمتع كل أسير، بمجرد وقوعه في الأسر، وفي حالات المرض أو النقل إلى المستشفى أو إلى معسكر آخر، بالحق في أن يرسل “بطاقة أسر” إلى عائلته وإلى الوكالة المركزية لأسرى الحرب لإبلاغ عائلته بوقوعه في الأسر، ومكان وجوده وحالته الصحية ويتمتع المحتجزون المدنيون بذات الحق في شأن إرسال “بطاقات اعتقال” إلى عائلاتهم وإلى الوكالة المركزية وقد أرفق باتفاقية جنيف الثالثة نموذج لبطاقات يتمتع كل أسير، بمجرد وقوعه في الأسر، وفي حالات المرض أو النقل إلى المستشفى أو إلى معسكر آخر، بالحق في أن يرسل “بطاقة أسر” إلى عائلته وإلى الوكالة المركزية لأسرى الحرب لإبلاغ عائلته بوقوعه في الأسر، ومكان وجوده وحالته الصحية ويتمتع المحتجزون المدنيون بذات الحق في شأن إرسال “بطاقات اعتقال” إلى عائلاتهم وإلى الوكالة المركزية وقد أرفق باتفاقية جنيف الثالثة نموذج لبطاقات الأسر، وأرفق باتفاقية جنيف الرابعة نموذج مماثل بشأن بطاقات الاعتقال.

وبالإضافة إلى بطاقات الأسر والاعتقال يُسمح للأسرى والمحتجزين المدنيين بإرسال واستلام الرسائل والبطاقات، وإذا رأت الدولة الحاجزة ضرورة تحديد هذه المراسلات، فإنه يتعين عليها السماح على الأقل بإرسال رسالتين وأربع بطاقات كل شهر، ويجب أن ترسل هذه البطاقات بأسرع طريقة متاحة للدولة الحاجزة، ولا يجوز حجزها أو تأخيرها لأغراض تأديبية.

كذلك، وفقاً لنص المادة 25 من اتفاقية جنيف الرابعة يجب على أطراف النزاع أن تسمح لأي شخص مقيم في أراضي أحد أطراف النزاع أو في أراضي يحتلها طرف في النزاع بإبلاغ أفراد عائلته أينما كانوا بالأخبار ذات الطابع العائلي المحض، وأن تسمح له بأن يتلقى أخبارهم. وتنقل هذه المراسلات بسرعة ودون إبطاء لا مبرر له. وإذا تعذر أو استحال نتيجة للظروف تبادل المراسلات العائلية بواسطة البريد العادي، وجب على أطراف النزاع المعنية أن تلجأ إلى وسيط محايد، من قبيل الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين للتشاور معه حول وسائل تأمين تبادل هذه المراسلات على أفضل وجه، وعلى الأخص بالاستعانة بالجمعيات الوطنية للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر.

وفي خلال عام 2009 تمكنت اللجنة الدولية بمساعدة الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر من جمع وتسليم أكثر من مائتي ألف رسالة.

ثالثاً: البحث عن المفقودين

خصص القسم الثالث من البروتوكول الإضافي الأول لمعالجة الأحكام المتعلقة بالأشخاص المفقودين والمتوفين ووضعت المادة 32 من هذا البروتوكول مبدأً عاماً مقتضاه أن “حق كل أسرة في معرفة مصير أفرادها هو الحافز الأساسي لنشاط كل من الأطراف السامية المتعاقدة وأطراف النزاع والمنظمات الإنسانية الدولية الوارد ذكرها في الاتفاقيات  وفي هذا اللحق (البروتوكول)، في تنفيذ أحكام هذا القسم”. ويجب على كل طرف في نزاع، حالما تسمح الظروف بذلك، أن يقوم بالبحث عن الأشخاص الذين أبلغ الخصم عن فقدهم وتبلغ المعلومات المتعلقة بالأشخاص الذين أخطر عن فقدهم وكذلك الطلبات الخاصة بهذه المعلومات إما مباشرةً أو عن طريق الدولة الحامية أو الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية للصليب الأحمر أو الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر أو الهلال الأحمر. وفي عام 2009، وبمساعدة الجمعيات الوطنية للصليب الأحمر والهلال الأحمر تتبعت اللجنة الدولية أكثر من أربعة آلاف مفقود.

وتلزم اتفاقية جنيف الأولى أطراف النزاع بأن تسجل بأسرع ما يمكن جميع البيانات التي تساعد على التحقق من هوية الجرحى والمرضى والموتى الذين يقعون في قبضتها وينتمون إلى الطرف الخصم، كأسمائهم وتواريخ ميلادهم، واسم الدولة التي ينتمون إليها، وتاريخ ومكان الأسر أو الوفاة، وأية معلومات أخرى مدونة في بطاقة الهوية أو لوحة تحقيق الهوية، وتبلغ هذه المعلومات بأسرع ما يمكن إلى مكتب الاستعلامات المنصوص عليه في المادة 122 من اتفاقية جنيف الثالثة، وعلى هذا المكتب أن ينقلها إلى الدولة التي يتبعها هؤلاء الأشخاص وإلى الوكالة المركزية لأسرى الحرب. وتعد أطراف النزاع ويرسل كل منها للآخر عن طريق المكتب المذكور شهادات الوفاة أو قوائم بأسماء الموتى مصدقاً عليها على النحو الواجب. كما يجمع ويقدم عن طريق المكتب نفسه أحد نصفي اللوحة المزدوجة الخاصة بتحقيق هوية المتوفي، والوصايا الأخيرة أو أي مستندات أخرى تكون ذات أهمية لأقاربه، والنقود، وعلى وجه العموم جميع الأشياء التي توجد مع الموتى وتكون لها قيمة فعلية أو معنوية. وترسل هذه الأشياء وكذلك الأشياء التي لم يعرف أصحابها في طرود مختومة ترفق بها إقرارات تتضمن جميع التفاصيل اللازمة لتحديد هوية أصحابها المتوفين، وقائمة كاملة بمحتويات الطرود. وعلى أطراف النزاع عند نشوب الأعمال العدائية أن تنشئ إدارة رسمية لتسجيل المقابر، لتيسير الاستدلال عليها فيما بعد، والتحقق من هوية الجثث أياً كان موقع المقابر، ونقل الجثث إلى بلد المنشأ. وتنطبق هذه الأحكام بالمثل فيما يتعلق بالرماد الذي تحفظه إدارة تسجيل المقابر إلى أن يتم التصرف فيه طبقاً لرغبات بلد المنشأ. وحالما تسمح الظروف، وبأقصى حد عند انتهاء الأعمال العدائية، تتبادل هذه الإدارات عن طريق مكاتب الاستعلامات قوائم تبين بها بدقة مواقع المقابر وعلاماتها المميزة، وكذلك بيانات عن الموتى المدفونين فيها.

وتتضمن المادتان 19 و20 من اتفاقية جنيف الثانية أحكاماً مماثلة في شأن جمع وإرسال المعلومات الخاصة بتحديد هوية الجرحى والمرضى والغرقى من المقاتلين في الحرب البحرية.

ويتضح من هذه الأحكام أن الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين التابعة للجنة الدولية تقوم بتجميع المعلومات المتعلقة بالمرضى والجرحى والموتى من المقاتلين وترسلها إلى الأطراف المعنية، ونظراً لأهمية لوحات تحقيق الهوية التي بدونها يصعب تتبع المفقودين فقد طالب المؤتمر الدولي الرابع والعشرون للصليب الأحمر والهلال الأحمر، المنعقد في مانيلا في نوفمبر/ تشرين الثاني 1981، جميع أطراف النزاعات المسلحة باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتزويد المقاتلين بلوحات تحقيق الهوية والتأكد من ارتدائها أثناء تأدية الخدمة.

رابعاً: جمع شمل العائلات

يجب على أطراف النزاع أن تيسر جمع شمل العائلات التي شُتتت نتيجة للنزاعات المسلحة، وأن تسهل أعمال البحث التي يقوم بها أفراد هذه العائلات، وعلى أطراف النزاع كذلك أن تشجع بصفة خاصة عمل المنظمات الإنسانية المكرسة لهذه المهمة وتقوم اللجنة الدولية بالعمل على جمع شمل العائلات التي شتتها النزاع المسلح بثلاث وسائل، فأولاً تساعد اللجنة الدولية أفراد هذه العائلات على الاتصال ببعضهم البعض عن طريق ما سبق ذكره بشأن تبادل الأخبار العائلية وخدمات البحث عن المفقودين، ثانياً يمكن من خلال المساعي الحميدة للجنة الدولية التوصل إلى اتفاقيات تمكن العائلات التي شتتتها الحدود من جمع الشمل، وأخيراً يمكن أن يطلب من اللجنة الدولية أن يساعد مندوبيها في عمليات جمع شمل الأسر التي تتطلب وجود وسيط محايد يمكن أفراد العائلات المعنية من عبور خطوط وقف إطلاق النار.

وقد عنيت اتفاقية جنيف الرابعة بحماية الأطفال وأوجبت على أطراف النزاعات المسلحة الدولية أن تتخذ التدابير الضرورية لضمان عدم إهمال الأطفال دون الخامسة عشرة من العمر الذين تيتموا أو افترقوا عن عائلاتهم بسبب الحرب، وتيسير إعالتهم وممارسة دينهم وتعليمهم في جميع الأحوال وأن تسهل إيواءهم في بلد محايد طوال مدة النزاع، بموافقة الدولة الحامية، إذا وجدت، وأن تعمل على اتخاذ التدابير اللازمة لإمكان التحقق من هوية جميع الأطفال دون الثانية عشرة من العمر، عن طريق حمل لوحة لتحقيق الهوية أو بأي وسيلة أخرى.

وتقوم الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين بدور كبير في تسهيل عودة الأطفال الذين يتم إجلاؤهم إلى بلد محايد، حيث يتعين في هذه الحالة على الطرف الذى قام بتنظيم الإجلاء أن يعد بطاقة لكل طفل مصحوبة بصورة شمسية، ويقوم بإرسالها إلى الوكالة المركزية للبحث عن المفقودين من أجل تسهيل عودة الأطفال الذين تم إجلاؤهم إلى أسرهم وأوطانهم كذلك قد تقوم اللجنة الدولية بدور في إعادة المحتجزين إلى أوطانهم، إذ تلتزم أطراف النزاع بأن تعيد أسرى الحرب المصابين بأمراض خطيرة أو جراح خطيرة إلى أوطانهم بصرف النظر عن العدد أو الرتبة، وذلك بعد أن ينالوا من الرعاية الصحية ما يمكنهم من السفر ويتعين أيضاً الإفراج عن المحتجزين المدنيين بمجرد زوال أسباب الاعتقال. وعلاوة على ذلك، على أطراف النزاع أن تعمل على عقد اتفاقات للإفراج عن فئات معينة من المحتجزين المدنيين أو إعادتهم إلى الوطن، أو عودتهم إلى منازلهم أو إيوائهم في بلد محايد، وبخاصة الأطفال، والحوامل، وأمهات الرضع والأطفال صغار السن، والجرحى والمرضى، أو المعتقلين الذين قضوا في الاعتقال مدة طويلة كذلك، يتعين على أطراف النزاع أن تعمل عند انتهاء الأعمال العدائية على إعادة الأسرى والمحتجزين المدنيين إلى أوطانهم. ورغم أن اتفاقيات جنيف لم تمنح اللجنة الدولية أي اختصاص في شأن إعادة المحتجزين إلى أوطانهم، فإنه ونظراً لما تتمتع به اللجنة الدولية من مكانة كبيرة كمنظمة إنسانية محايدة فإنه عادةً ما يسند إليها أطراف النزاع القيام بدور المراقب أو الوسيط أو المنفذ لعمليات إعادة المحتجزين إلى أوطانهم.

المطلب الخامس: حق المبادرة الإنسانية

وفقاً لاتفاقيات جنيف، لا تكون أحكام هذه الاتفاقيات عقبة في سبيل الأنشطة الإنسانية التي يمكن أن تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو أية هيئة إنسانية أخرى غير متحيزة بقصد حماية وإغاثة الجرحى والمرضى والغرقى وأفراد الخدمات الطبية، وأسرى الحرب، والمدنيين، شريطة موافقة أطراف النزاع وتنص الفقرة الأولى من المادة 81 من البروتوكول الإضافي الأول على أن “تمنح أطراف النزاع كافة التسهيلات الممكنة من جانبها للجنة الدولية للصليب الأحمر لتمكينها من أداء مهامها الإنسانية المسندة إليها بموجب الاتفاقيات وهذا البروتوكول، بقصد تأمين الحماية والعون لضحايا النزاعات، كما يجوز للجنة الدولية للصليب الأحمر القيام بأي نشاط إنساني آخر لصالح هؤلاء الضحايا شريطة موافقة أطراف النزاع المعنية ” فللجنة الدولية الحق في المبادرة الإنسانية بأن تبادر بمزاولة أنشطة تتعدى تلك الواردة في نصوص الاتفاقيات  ولكن ذلك مرهون بموافقة الأطراف المتحاربة.

للصليب الأحمر القيام بأي نشاط إنساني آخر لصالح هؤلاء الضحايا شريطة موافقة أطراف النزاع المعنية. فللجنة الدولية الحق في المبادرة الإنسانية بأن تبادر بمزاولة أنشطة تتعدى تلك الواردة في نصوص الاتفاقيات  ولكن ذلك مرهون بموافقة الأطراف المتحاربة.

إن اشتراط موافقة المتحاربين يعني أن اللجنة الدولية لا تملك في مثل هذه الحالات سوى أن تعرض على الأطراف المتحاربة مساعدتها في تطبيق أحكام القانون الدولي الإنساني، التي قد تقبل أو ترفض هذا العرض، إلا أنه إذا لم تكن اتفاقيات جنيف تنص على هذا الحق كان يمكن أن يؤدي ذلك إلى تفسير خطير هو القول بأن تلك الاتفاقيات ، باقتصارها على النص على اختصاصات محددة للجنة الدولية، قد منعت اللجنة الدولية من القيام بأي أعمال لم تنص عليها صراحة، ولما تمكنت اللجنة الدولية من أن تقدم خدمات تتعلق بمساعدة وحماية ضحايا الحروب.

 فعلى سبيل المثال، يقع على عاتق الأطراف المتحاربة مسؤولية جمع المقاتلين الجرحى والمرضى وتقديم الرعاية الطبية لهم، وعلى خلاف اتفاقيتي جنيف الثالثة والرابعة اللتين تنصان على أنه على أطراف النزاع أن تقدم كافة التسهيلات اللازمة للقيام بتوزيع إمدادات الإغاثة والمساعدات على المحتجزين، لم تتضمن اتفاقية جنيف الأولى نصاً مماثلاً في شأن توزيع مواد الإغاثة والمساعدات على الجرحى والمرضى من المقاتلين.

ولكن كثيراً ما تعجز الدول أثناء الحروب عن القيام بهذا العمل على نحو كاف، فتبادر اللجنة الدولية بعرض خدماتها. وجدير بالذكر ان اللجنة الدولية للصليب الأحمر تنهض أيضاً في إطار النزاعات المسلحة الدولية بدور مهم كبديل للدولة الحامية ولعدم التكرار فسوف نؤجل الحديث عن هذا الدور الى الباب الثاني عند الحديث عن الآليات الرقابية للقانون الدولي الثاني.

Menu